اليوم يمكن قياس المزاج العام بسهولة، ونعني بالمزاج العام، مجموعة الانطباعات والانفعالات والرؤى التي يعبر عنها الناس، والتي يمكن تصنيفها بناء على حالاتهم الانفعالية. اتركوا عنكم حالات الغضب والفرح وغيرها، ولنركز على أكثر العوامل المنتشرة اليوم لدى المجتمع البحريني. هناك من يقول - وغالباً هي جملة تصدر عن مسؤولين - بأن «مود» أو مزاج الشارع البحريني «متعكر»، وأن المواطن البحريني أصبح «كائناً متحلطماً»!نعم، هذا التوصيف موجود، وأصبح على لسان كثير من الناس، خاصة من ذوي طبقة معينة، لا تعرف تماماً ما يمر به المواطن البسيط. .. «شعب متحلطم»، والله تقال بشكل دوري من قبل البعض، وللأسف البحث في المسببات معدوم تماماً، إذ دوافع التحلطم يجب أن تعرف حتى بعدها يمكن التقرير بأن هذه الظاهرة - أي التحلطم - مبررة أم أنها «دلع اجتماعي». وحينما نصفها بـ «الدلع الإجتماعي» فإنها تطبق على البعض، وأعني بهم ذاك النوع الذي يرى أن الممارسة المنطقية الاعتيادية لا بد وأن تكون من خلال التعبير الدائم عن الاستياء، ولا بد أن تأخذ طابع النقد الدائم، بحيث تنظر لهؤلاء الأشخاص وتتساءل مجبراً «فلان وعلان ألا يعجبهم شيء؟!». في المقابل هناك حالات لها تبريراتها، وحالات لها دوافعها، والتي تجعل الناس تنتقد وتعبر عن استيائها وتتذمر من وضع ما، وغالباً ما ترتبط بأمور معنية بوعود قدمت، أو طموحات وأحلام رصدت، أو أوضاع تردت بدل أن تتعدل وتتحسن. في جانب آخر هناك نوع رغم وجود مبررات الإحباط والتذمر والتحلطم، تجده صاحب طاقة إيجابية لافتة، تجده دائماً «متفائلاً»، من الصعب جداً أن تجعله يمسح الابتسامة على وجهه، بل من الاستحالة أن توصله لمرحلة تعكر فيها مزاجه. قد يقول البعض بأن هذه الفئة «مرتاحة» في معيشتها، مرتاحة في أعمالها، ولا يقلقها أي شيء، ولا يقض منامها أي هاجس، بمعنى أن هؤلاء هم أصحاب «الملاعق الفضية» الموجودة في أفواههم، سواء ولدوا بها، أو خدمهم الزمن وتحصلوا عليها. أقول هنا بأن نعم ولا، فبعضهم نعم هكذا، لكن كثيراً منهم وغالبية منهم لا تنطبق عليهم المواصفات أعلاه، هناك من تراه دائماً رمزاً للتفاؤل، وشعاره الفرح والابتسامة، وهو قد يكون يعاني من مشاكل معيشية عديدة. كثير من البيوت نرى قاطنيها من الخارج سعداء، لكن داخلها يعج بالألم، لكن مع ذلك نجد أهلها لا ينشرون فيروس التذمر والإحباط بين الناس، إن كانت من حالات استياء يبقونها بالداخل، بل بعضهم لا يجعلها ديدناً دائماً، بعضها يرفض أن يصل الإحباط ليضربه في النخاع، ويتغلغل لداخله. هناك من يتذكر دائماً بأن الزمن المنقسم لسنوات وشهور وأيام وساعات وثوان، عبارة عن عمره وحياته التي تمضي، وأن الأنفع له الاستفادة منها، والأهم الاستفادة منها بتطويل عمره وعيش اللحظات الجميلة وجعل الابتسامة والتفاؤل شعاراً دائماً له، فحتى لو كانت الظروف صعبة ومعاكسة، فإن العيش في شرنقة من الكآبة والتذمر والاستياء وكره الحياة، من شأنه أن يقصر الأعمار، بل هو عنصر جاذب للأمراض، وللعلم كثير من الأمراض القاتلة من مسبباتها الحالة النفسية، وأشهرها مرض السرطان، أبعد الله عنكم كل مكروه. هناك من الظروف والأوضاع ما يدفع الإنسان للتعبير عن غضبه، لبيان استيائه، وحتى إبراز تذمره، لكن أن يتحول هذا لسمة متأصلة، فهنا مشكلة حقيقية. وحينما نقول في المقابل بأن اجعل التفاؤل شعاراً دائماً لك، فإن هناك رداً يأتيك من فوره، مدعوماً بحالات وشواهد وأمثلة، إذ كيف أتفاءل والمستقبل يبشرني بلون أسود قاتم؟!الإجابة هنا بأنه حتى وإن كانت المؤشرات صعبة وتنذر بما يقلق، تذكر بأن الله قادر على كل شيء، وما من دابة في الأرض إلا وعلى الله رزقها، وهو الذي قال في كتابه العزيز «إن مع العسر يسراً»، بالتالي حالة اليأس والتسليم بالمقدرات، دون التحرك وفعل شيء واختراع البدائل، أو أقلها إشغال الوقت بما هو مفيد ويجلب الفرح، هو أكبر فخ يقع فيه من آثر أن تكون شخصيته بالفعل شخصية متحلطمة متذمرة. انتقد الأخطاء، أعط رأيك، وتكلم بالصح وشخص الخطأ، وساهم في الحلول، أوصل صوتك للجهة التي تراها مسؤولة، علها تأخذ به وبناء عليه يتحرك أمر ما، أقلها افعل كما فعل رسولنا الكريم وقال بعدها «اللهم إني بلغت.. اللهم فاشهد»، ثم عش حياتك ولا تبعثرها في أمور تقصر العمر. بين التفاؤل والتشاؤم، حدد موقعك، هل أنت متفائل أم متشائم؟!هناك من يقولها محاولاً التخفيف بأنه «متشائل» بدمج الكلمتين ومعناهما، وتعليقاً على ذلك نقول، أقلها هذه الحالة أشد وطأة من الانغماس المجرد في التشاؤم، أقلها أن فيها جزئيات من التفاؤل وهذا هو المطلوب. نصيحة مجربة، لا تنسوا بأن هذه الجملة من أصدق ما عاشه الناس خلال الأجيال، تفاءلوا بالخير تجدوه، ووالله الخير لا يأتي إلا للمتفائلين.