بعض الدول القريبة منا حين تزورها تعجب من طريقة استفادتها من شواطئها وسواحلها وطبيعتها البحرية. والعجب هنا ليس لما فعلوه بالطبيعة الموجودة لديهم، بل هو عجب لحال بلادنا التي هي أصلاً تتميز على جميع الجيران والأشقاء الكرام بأنها أرخبيل جزر يحدها البحر من كل جانب، ما يعني أن مقومات الاستفادة من الواجهات البحرية لدينا أكثر وأكبر. لا أعلم إن كانت هيئة السياحة لدينا تمتلك مخططاً وأفكاراً لاستغلال الطبيعة البحرية للبحرين الحبيبة، رغم أنني أجزم بذلك، لكن هذا لا يمنع من مشاركة الإخوة فيها ببعض الأفكار، والتي أعتقد أنها بالتأكيد مرت في ذهن أغلب المواطنين حينما نتحدث عن السياحة وعن طبيعة بلادنا البحرية. اليوم، الواقع يبين لك بأننا كبلد لا نمتلك عدداً كبيراً من السواحل «المفتوحة» التي تتسق مع طبيعة أرضنا، وما أعنيه بالسواحل المفتوحة أمر واضح ولا يحتاج لتفسير. نعم، هناك خيارات عديدة لمن يريد ارتياد البحر والاستفادة منه، لكن أغلبها خيارات ليست «مفتوحة»، بمعنى أن طبيعة بلادنا البحرية لم تعد متاحة بلا قيود مثلما كانت عليه في السابق. اليوم إن أردت الاستمتاع بالبحر، وتحديداً السواحل النظيفة أمامك خيارات محدودة، بعضها متاح مقابل اشتراكات مثل بعض الفنادق التي يمكن تصنيفها كمنتجعات بحرية، أو بعض المشاريع السكنية والتي تقتصر بشكل حصري على قاطنيها. وفي المقابل انحسر عدد الخيارات المفتوحة أمام الناس، فمثلاً بلاج الجزائر لم يعد بنفس الزخم السابق، وبعض المناطق التي اعتاد الناس ارتيادها ردمت وتحولت إلى مواقع لمشاريع إسكانية أو استثمارية. اليوم إن أردت مثلاً ممارسة رياضة صيد السمك، فإن خياراتك المفتوحة معدودة بل تكاد تكون معدومة، وكذلك البحث عن ساحل نظيف متاح لاستخدام العامة. أفكراليوم بكيفية الاستفادة من طبيعة البحرين، بحيث تكون الواجهات البحرية مصدراً للترفيه للناس وقضاء وقت جميل، بالإضافة لتحويلها إلى مصدر «حقيقي» للدخل، وأماكن استقطاب «فعلية» للسياحة النظيفة. دعونا نفكر معاً هنا، إذ ماذا لو خصصت الدولة مساحة على امتداد عشرة كيلومترات مثلاً، في أحد أطراف البحرين، وحبذا لو كانت في منطقة وسط ليست تقرب كثيراً للشمال أو للجنوب، بحيث يتم تحويلها لساحل رملي نظيف مفتوح للعامة. في هذا الساحل، يمكن للجميع دون استثناء ارتياد البحر، بحيث يتم تحويلها لشاطئ فعلي مزود بالمعدات والمظلات والمقاعد وحتى المحلات الصغيرة التي تبيع المشروبات والأطعمة. وهنا أرجو التركيز، فلسنا نتحدث عن ممشى أو «كورنيش» للمشي أو ممارسة الجري، بل نتحدث عن شاطئ يمكن فيه ممارسة كافة الأمور البحرية. وفي جانب منه، يمكن أن تنشئ مرافئ لليخوت أو القوارب السياحية، بحيث يمكن أن نجد فيها مثيلاً للمطاعم الطافية، أو البوانيش التاريخية «المحدثة طبعاً» وفيها مطاعم، وبعضها يقدم خدمات الإبحار لمرتادي الشاطئ، إن أرادوا ممارسة الصيد داخل البحر. في جانب آخر، جهة تخصص لممارسة رياضات بحرية مختلفة مع وجود متابعة ورجال إنقاذ، فيها يتم السماح لركوب الأمواج، وتعليم الغوص والعوم للصغار، أو تعليم أساليب الصيد على الساحل، أو استخدام القوارب الصغيرة، وطبعاً إتاحة استخدام «الجتسكي»، أو القوارب المتصلة بالمناطيد أو الزلاجات. في جانب ثالث، يمكن استحداث فكرة مشابهة للملاهي المائية، مثل ما لدينا في «جنة دلمون المفقودة» أو «واهو» في مجمع «السيتي سنتر»، فقط الاختلاف يكون بأن هذه المدينة ذات الألعاب المائية تكون مطلة على البحر متصلة بمياهه، ويتم تشييدها على الشاطئ. تخيلوا أن لدينا شاطئاً نظيفاً بهذا الطول والحجم والمساحة، وفيه من وسائل الترفيه المتنوع والكثير، وفيه من المطاعم والخدمات، وأغلب ما يقدم فيه مجاني للعامة، أو بأسعار رمزية بسيطة، والله أعتقد بأنها ستصبح واجهة بحرية سياحية بامتياز، فما بالكم لو تم استنساخ الفكرة على امتداد البحرين بحيث يكون لدينا مثل المشروع في خمس واجهات بحرية مثلاً، تحد البحرين من كل جانب؟!الفكرة فيما نقول، بأن أهل البلد اليوم بحاجة للاستفادة من طبيعة بلادهم، ونحن كبرنا وقبلنا أجيال وأجيال ولنا مع البحر قصة حب وعشق، لأنه متاح، ولأنه كان أمامنا، كنا نسبح فيه عندما نريد، ونصيد فيه وقتما نريد، لم يكن هناك ألف عائق وعائق، ولا منع ولا شروط. اليوم البحريني بالذات من حقه الاستمتاع بشاطئ مفتوح ومجاني، فيه من الخدمات والتسهيلات ما يجعله يقدر الدولة على اهتمامها به، ومن أراد الخصوصية والاستفادة من المناطق الأخرى ذات الرسوم والاشتراكات وغيرها فهذا من حقه وبناء على خياراته.بحريننا جميلة، وبحرنا جميل، وإن كان من أي استثمار سياحي «مؤثر» لدينا، فإنه سيكون ذا ارتباط بالبحر ولا شيء آخر.