في غفلة الانشغال بالحياة وإدارة معيشة الأسرة والهرولة خلف الرزق الحلال والحرام ومحاولة الدخول في مشاريع تجارية حقيقية أو وهمية، إضافة لالتهائنا بوسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفرط، كل هذا اللهو وراء القليل من الحقيقة والكثير من السراب وأكثر، أبعدنا عن أهم المهمات في حياتنا العملية كبشر ألا وهي تربية الأبناء بالشكل الصحيح والسليم.لم يعد للتربية في حياتنا اليومية أي معنى ولم تعد الهاجس الأول في واقعنا الأسري، كما كان في السابق، فالأب مشغول في عمله ومع أصدقائه، والأم مشغولة بالتسوق ومتابعة آخر التقليعات والموضات وتقديس علب المكياج وجمع شتى أنواع الفساتين، أمَّا بقية أفراد الأسرة وعلى الرغم من تطور وسائل التواصل الاجتماعي إلا أنهم مشغولون بأنفسهم وبهواتفهم الذكية يفتشون عن عيوب الناس ومثالب الحضارات والمجتمعات والشعوب الأخرى بشكل مضحك!فلا الأب هو الأب، ولا الأم هي الأم، ولا الأسرة هي الأسرة، فالجميع لا يريدون أن يقوموا بتربية الأبناء كما كانت المهمة الأساسية للأسرة في السابق، وذلك لثقل هذه المهمة المقدسة، ولأن هذا العصر هو عصر الأنانية المطلقة، بدأ كل فردٍ في الأسرة يحول اهتماماته وأنظاره نحو نفسه دون أن يلتفت حتى إلى عياله فجاءت النتائج كارثية ومريعة.النتيجة التي نتحدث عنها هنا بسبب غياب دور الأسرة تحديداً في قضايا تربية الأبناء، هو أن توجه شبابنا لمعسكرات التطرف بشكل مخيف، والبعض ذهب نحو المخدرات والبعض احترف السرقات وبعضهم أصبحوا عالة على المجتمع والدولة، حتى بات الكثير من شبابنا وبسبب فراغ التربية الصحيحة والتهاء الأسر بيومياتهم التافهة، أرقاماً مرعبة في إحصائيات الجرائم والإرهاب، وقد أدى هذا الأمر الكارثي إلى هجرة الكثير من شباب الوطن العربي وغير العربي نحو مناطق الصراع السياسي فأصبحوا كبش فداء لمشاريع سياسية لدول متعجرفة وجماعات خطرة، فكانت النتيجة أن فقدنا آلاف الطاقات الشبابية في المعركة «الغلط»، وقمنا نندب حظنا أن ضاع شبابنا في أفران الإرهاب الحارقة، والسبب بسيط للغاية، وهو أننا لم نكلف أنفسنا عناء التربية الصحيحة منذ البداية.اليوم ولكي نعوض جزءاً بسيطاً مما قد فاتنا من عمل فيما يخص تربيتنا لأبنائنا وفق الطريقة الصحيحة، يجب علينا أن نقوم بإعلان حالة طوارىء «مدنية»، لاستدراك ما تبقى من شبابنا وصيانة أفكارهم وتقوية معتقداتهم بأهمية الوطن والعمل والحب والسلام والخير، وأن نبعدهم عن بؤر التحريض الطائفي والمذهبي وسحبهم من تحت منابر الكراهية والإرهاب إلى حيث فضاءات الأسرة الكبيرة التي من أهم مهامها تربية القيم والفكر من أجل بناء إنسان خالٍ من الأوهام والترسبات والخرافات، وأيضاً دفعهم نحو أحضان الثقافة والفنون بكل أصنافها وأشكالها، فالتربية السليمة لم تعد هامشاً في معتقدات المجتمعات المتحضرة، بل أصبحت اليوم وبسبب أسلوب الحياة الحديثة التي تعتمد على الإسمنت أكثر مما تعتمد على الضمير من أهم المهمات وأقدسها. أيها الآباء وأيتها الأمهات، أعطوا قليلاً من وقتكم لأبنائكم، قبل أن تصحوا من نومكم وهم في أحضان «داعش» وغير «داعش».