معاودة إعلان المسؤولين في إيران عن أن الإيرانيين لن يحجوا هذا العام وإلقائهم اللوم على المملكة العربية السعودية واعتبارها السبب إثر الاجتماع بالمسؤولين السعوديين مرة أخرى، والإصرار على المطالب ذاتها صار الهدف منه واضحاً، فعندما يعلنون أن الإيرانيين لن يحجوا هذا العام ويقومون بشحن العامة على السعودية ثم يطلبون الاجتماع من جديد مع المسؤولين السعوديين ويصرون على المطالب ذاتها التي تم رفضها من قبل السعودية كونها الدولة المعنية بتنظيم الحج، فإن هذا يعني أن الشحن لم يتم بالشكل المطلوب، وأن إيران تهدف إلى شحن الإيرانيين الذين هم ضحية التفكير الضيق لمسؤوليهم من جديد على السعودية. حسم الموضوع والإعلان عن مقاطعة الحج هذا العام ثم إعادة طرحه من جديد لا تفسير له سوى أن الهدف من هذا الأمر لم يتحقق في المرة الأولى، وأن الحاجة صارت ماسة لإعادة المحاولة، فالهدف الذي بات واضحاً كان شحن الفقراء الإيرانيين الذين يحلمون بحج بيت الله الحرام ضد السعودية وإقناعهم بأن المسؤولين فيها هم الذين أعاقوا تحقيق حلمهم وأنه لهذا فإنه عليهم أن ينفذوا كل ما يطلبه منهم الملالي الذين سعوا بكل جهدهم ليتم الحج على هواهم وبالشكل الذي يعتقدون أنه يمكن أن يقبله الله منهم، فهؤلاء صوروا للعامة في بلادهم أن الحج يكون ناقصاً لو لم يخرجوا في مظاهرات يعلنون فيها البراءة من المشركين، ويكون غير مقبول لو لم يتم فيه قراءة «دعاء كميل». هو توظيف مكشوف وسيء لمناسبة الحج بغية تحقيق مكاسب سياسية وفرض الهيمنة والقول إنه كما أنه يحق للسعودية تنظيم الحج فإنه يحق لإيران أيضاً أن تشارك في التنظيم، وهذا مطلب قديم جوبه بالرفض. ليس هذا فحسب، فإيران ترمي إلى أن يعهد تنظيم الحج إليها وحدها، تماماً مثلما عهد إليها منذ سنوات المراقد المقدسة في دمشق، فالإيرانيون هم من صاروا يشرفون وينظمون زيارة مرقد السيدة زينب والسيدة رقية وغيرهما من الأماكن المقدسة لدى الشيعة في سوريا، وكذلك العراق. ولأن السعودية منتبهة لكل هذا، لذا فإنها حسمت الموضوع منذ زمن، وتحسمه في كل مرة تقرر فيها إيران إعادة طرح الموضوع.مطالب إيران فيما يخص الحج غير واقعية، والتظاهر وقراءة أدعية بعينها ليس من مناسك الحج، وسعيها لتوظيف كل هذا لتحقيق أهداف سياسية واضح وضوح الشمس، وإعادة طرحها الموضوع بعد حسمه والإعلان عن عدم مشاركة الحجاج الإيرانيين هذا العام من جديد هدف مكشوف، وما سيحدث هو أنه سيتم إخراج الإيرانيين في مظاهرات أيام الحج في طهران تندد بما حدث، ولتستفيد من كل ذلك في شحن العامة ضد السعودية وضد من يقف إلى جانبها في عملية تتم بذريعة وزعم استعادة الشرعية في اليمن ومساعدة السوريين والعراقيين في استعادة حقهم في الحياة في سوريا والعراق.ومع هذا فإن القصة لن تنتهي مع انتهاء موسم حج هذا العام، حيث ستعمل الحكومة الإيرانية على توظيف هذا الذي حدث على مدار عام كامل أملا في أن يتحقق لها ما لم يتحقق هذا العام، فهي تعتقد أن هذا سيعينها على التوصل إلى اتفاق يصب في صالحها العام التالي وسيخدمها أكثر، أي أن تستجيب السعودية لكل مطالبها التي رفضتها هذا العام، وزيادة. عندما تمارس لعبة مكشوفة وبثقة فهذا يعني أنك تعتقد أن الآخرين من الغباء بحيث يمكنك أن تلعب كما تشاء من دون أن ينتبهوا، وأنك من الذكاء بحيث لا يمكن لأذكي الأذكياء اكتشاف لعبتك. هذا هو تفكير حكام فارس، ولكن لأن مثل هذه اللعبات لا تنطلي على السعودية لذا يخيب مسعاهم.