في يونيو 2008، كانت المقابلة الأولى في ما أذكر لـ»أبوركان» -ونود أن نشير إلى أن جميع الأسماء الواردة في المقال إما بالكنية أو مستعارة- وكنت أبحث عن موظف في إدارتي حيث كنت رئيساً لقناة «الامتياز» التجاري، وهي تشرف على تطوير عمل واستراتيجيات قناة «الامتياز» التجاري لجميع فروع الشركة التي أعمل بها والبالغ عددها أكثر من 140 في المملكة العربية السعودية، حيث كانت الشركة من إحدى أكبر شركات التأمين الخليجية، ومن بين أكبر 30 شركة سعودية.مازلت أذكر ذلك اليوم، عندما طلب من «أبوركان» الحضور في نفس اليوم، ومن باب التحدي خلال ساعة، ومن سكن في الرياض، ومن جرب ذلك أو تعامل مع موقف مشابه يعرف ماذا نعني بذلك. حضر الشاب وكان طويلاً نحيلاً لديه لحية، وبعد مقابلته المسؤول الأعلى، بدأت مقابلتي معه مباشرة. بدأ الحديث عن التخرج، لم أسأله عما يعرف في تخصصه، ولم تكن علاماته متميزة كثيراً، لكن انصبت أسئلتي عن ماذا فعل في الجامعة، وعن ماذا يفعل الآن في أوقاته، وكان مما لفت نظري ذكره أنه كان رئيس لجنة طلابية، أو أحد أعضاء مجلس إدارتها، وعن دوره في النشاط الطلابي من تنظيم وإعداد، وتعمقت معه أكثر في الموضوع حيث تركته يتحدث عن بعض المشاكل التي كان يواجهها، كان الشاب هادئاً في حديثه رغم الأسئلة الضاغطة عليه.في نهاية المقابلة سألته متى تستطيع بدء العمل؟ وكان السؤال مقصوداً فرد متى تشاؤون، وكان ردي هل أنت جاهز اليوم ورد بنعم، وكان اليوم قريباً من نهاية الأسبوع، فطلبت منه أن يتوجه إلى قسم الموارد البشرية لاستكمال إجراءات التوظيف على أن يبدأ أول الأسبوع المقبل.حملني جميع المعنيين مسؤولية التوظيف، ولكن بعد فترة وجيزة استطاع أن ينسج علاقات متميزة، وأن يكتسب ثقة الأقسام المرتبطة في عملها بقسم «الامتياز» التجاري، وعندما انتقلت لمؤسسة أخرى كان يعرض عليه العمل في مناصب قيادية في الإدارات الإقليمية ويطلب بالاسم. ابتسامة «أبوركان» العريضة واهتمامه بالتفاصيل وقدرته على التعلم السريع وبراعته في قيادة مركب علاقته الشخصية في وسط متلاطم من تضارب الاهتمامات المهنية وهو لا يمتلك فيه صلاحيات واسعة كانت هي ما استنتجته من خلال المقابلة وكانت هي رهاني عليه بل وسبب نجاحه.بعد ذلك بسنوات عديدة في البحرين، كنت مديراً وشريكاً في معهد تدريب، ونتيجة لخطط التوسع تقرر فتح باب التوظيف وحضر للمقابلة عباس المرشح من وزارة العمل ضمن برنامج دعم توظيف الباحثين عن عمل -وهو برنامج ممتاز أرجو أن تستمر فيه وزارة العمل لما فيه من فائدة لأكثر من طرف- عندما نظرت إلى السيرة الذاتية لعباس لم أعرف كيف سيفيد الوظيفة المطلوبة وهي تنسيق الدورات والإشراف عليها أثناء تنفيذها، وهو الذي كان يعمل صحافياً في القسم الثقافي لإحدى الصحف اليومية التي أغلقت أبوابها. والذي زاد الأمر صعوبة أنه لا يتقن اللغة الإنجليزية في بيئة عمل أحد أطرافها يعتمد بشكل كلي على اللغة الإنجليزية في تعامله، ثم هو صحافي معني بالجوانب الثقافية ودراسته أصلاً كانت علم نفس أو اجتماع فيما أذكر. ولكن قررت مقابلته دون أن أضع توقعات مسبقة، وجدولت مقابلته ضمن عديدين، وفي موعد تعمدت أن أتركه ينتظر ثم دخل شخص بلباس مرتب، ولكنه متواضع وعملي، وبدأت أسأله وتعمدت أن أركز على نقاط ضعفه، كان رد فعله منضبطاً ولا يوحي بأي شيء، شعرت بغموض الرجل ولكن استنتجت أشياء عديدة بعدها من خلال المقابلة، خرج بعدها لتبدأ إجراءات توظيفه فوراً. عباس كان يذكرني كثيراً بمقولة اعتبرت فيما بعد قاعدة في القيادة، ذكرها فيما أعتقد فيلب كوتلر وهي «إذا جاءك موظف أو مسؤول يطرح أمامك مشكلة ويسألك المشورة فاعرف أنك أمام شخص عادي ومدير سيئ، وإذا جاءك موظف أو مسؤول وطرح أمامك مشكلة مع حلولها المختلفة فاعرف أنك أمام مدير جيد، أما إذا جاءك موظف وقال لك واجهتني مشكلة وكان أمامي أكثر من خيار واتخذت الحل المناسب والمشكلة انتهت وأعلمك ليكون لديك فكرة حين حدوث تبعات غير متوقعة فاعلم أنك أمام قائد». كنت على ثقة أن وجود عباس الهادئ، الحازم، المحايد في مشاعره الذي يمتلك نظرة عميقة في البشر من حوله نتيجة تخصصه واهتماماته الثقافية يجعلني أثق بأن الأمور على أقل تقدير ستسير في الاتجاه الصحيح وكما يجب.في كلتا الحالتين، كنت قد خرجت عن المعتاد في طريقة التوظيف، لم يكن مهماً بالنسبة لي مستوى التفوق الدراسي لأي منهما أو الخبرة المتعلقة بالوظيفة، رغم أهميتهما، بل القدرات الشخصية والشخصية النوعية المناسبة للمهنة. في المقال القادم سأحدثكم عن «سابو»، ومعايير الشخص المناسب.* مطور أعمال وقدرات بشرية
Opinion
اختيار الشخص المناسب «1-2»
04 يونيو 2016