لعلها المرة الأولى في التاريخ التي يسعى فيها نفر من البشر إلى إيجاد مشروع يتيح لأصحاب الديانات السماوية الثلاث التواجد والتعبد في مكان واحد. ورغم أن مثل هذا الأمر يصعب أن يخطر حتى على البال إلا أنه بدأ يقترب من مرحلة الحقيقة الواقعة، فقد نشرت الصحف أخيراً خبراً عن عزم مدينة برلين تشييد مركز للعبادة يضم كنيسة ومسجداً وكنيساً يهودياً، وأنه صمم ليجمع بين جدرانه مصلين من الديانات الثلاث.جاء في الخبر أن مكتب الهندسة المعمارية، لمالكه المهندس كوهن ماليزي، حصل على رخصة تصميم المعبد بعد أن فاز في مسابقة أجريت العام 2012 وأنه اعتبر، في مقابلات صحافية، أن وضع تصميم لبناء بهذه الخصوصية يعتبر تحدياً كبيراً باعتبار أن المشروع غير مسبوق ولا يوجد له نموذج في أي مكان على الأرض. المعبد لا تتجاوز مساحته 670 متراً مربعاً وسيبدأ بناؤه العام المقبل، ويعتمد في تمويله على تبرعات يتم جمعها من خلال موقع على الإنترنت مخصص لذلك «الموقع نجح حتى الآن في جمع مبلغ مليون يورو». فكرة المعبد «ثلاثي الديانات» تقوم على أنه «مكان يتيح للثقافات المختلفة أن تلتقي وتستفيد من بعضها البعض».العالم إذن على موعد مع معبد يمكن أن يرى النور يضم قاعات صلاة مخصصة لكل دين من الأديان السماوية الثلاثة يعبد أتباعها رباً واحداً هو الله سبحانه وتعالى ولكن كل بطريقته. إنها المرة الأولى التي سيتواجد فيها الإسلام والمسيحية واليهودية في معبد واحد، وهذا هو المثير في الأمر.في بلادنا الإسلامية يؤمن كثيرون بمثل هذه الفكرة لكن أحداً لا يجرؤ على طرحها، ولو تجرأ أحد لجوبه بألف طريقة وطريقة وصولاً إلى حد تكفيره وإخراجه من الملة، أما المعنيون بإصدار التراخيص فإنهم كذلك لا يجرأون على إعطاء أحد مثل هذا الترخيص كي لا يتم تكفيرهم وإخراجهم من الملة والدنيا في غمضة عين.ورغم أن مشروع المعبد «ثلاثي الديانات» هذا سيتم تنفيذه في إحدى المدن الأوروبية إلا أن المتوقع أنه لن يسلم من أصحاب العقول المتحجرة من أتباع الديانات الثلاث، ولن يتردد بعض المتطرفين عن تحريم الصلاة فيه، وربما تحريم لقاء المسلمين بالمسيحيين باليهود في الصالة المشتركة للقاءات «لو كانت هناك صالة من هذا القبيل» أو في مدخل المعبد، حيث «الطبيعي والصحيح» هو أن يتقاتلوا لا أن يتعارفوا.كل مشروع يقرب بين الديانات والمذاهب ترفضه العقول المتحجرة ويرفضه المتطرفون، خصوصاً في هذا الزمن الذي صار يعتقد فيه كل فريق ويجزم بأنه هو وحده من سيظفر بالجنة وهو وحده من يستحقها.هنا في البحرين لم نشعر قبل اليوم بأي فرق بين الديانات الثلاث وبين المنتمين إليها، فتجاورت الكنيسة والكنيس والمسجد، وتجاور أتباعها وتعايشوا، وكان الكل يشارك الكل في مناسباتهم من دون أي حساسية، بل بفرح غامر. هذا الأمر للأسف تغير اليوم وبدرجة خطيرة، لهذا اهتم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بالعمل على التقريب بين الديانات الثلاث وهيأ كل الظروف لإنجاح الزيارات التي لا يزال يقوم بها فريق من أهل البحرين مكون من المنتمين إلى كل الديانات بغية توصيل رسالة هي نفسها التي اهتم أصحاب تصميم مشروع المعبد ثلاثي الديانات بتوصيلها، فالله سبحانه وتعالى متواجد في نفوس الجميع، والجميع يعبد ربا واحدا، خلقهم ليعبدوه وهيأ لهم الفرصة ليتعارفوا ويكمل بعضهم بعضا. ربما ساعد تشييد المعبد ثلاثي الديانات في برلين العالم على تبين أن المساحة المشتركة بين الديانات الثلاث أكبر مما نعتقد.
Opinion
معبد ثلاثي الديانات
05 يونيو 2016