خلق الله سبحانه وتعالى الخلق بخلقه أبانا آدم وأمنا حوّاء، بهما بدأت رحلة الإنسانية، وعلّم الله تعالى آدم الأسماء كلّها مؤهلاً إيّاه لمسؤولية الخلافة، ولعلمه تعالى بحاجة الإنسان إلى صفة محددة من بين سائر الصفات لقيامه بمهمته خير قيام، عرّضه للامتحان، الامتحان الأول في التجربة الإنسانية، ليبين له أنّ النجاح في هذا الامتحان سيتبعه نجاح في المهمة الموكلة إليه، وأنّ الرّسوب في الامتحان نتيجته وخيمة، فعرّض تعالى الإنسان الأول لامتحان الإرادة، وذكر هذه التجربة في القرآن الكريم في مواضع عديدة، قال تعالى: «وقلنا يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنّة و كلا منها رغداً حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين» (البقرة آية 35). و ذكرها سبحانه في الأعراف الآيات 19 – 27، و في طه الآيات 115 - 123، و كانت نتيجة الرسوب في امتحان الإرادة «و لقد عهدنا إلى آدم من قبل و لم نجد له عزما» (طه 115)، واتباع رغبات النفس و شهواتها «فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد و ملك لا يبلى * فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة وعصى آدم ربّه فغوى» (طه 121). النفي و الإخراج من الجنة موضع النعيم إلى الأرض موضع الكدح والعمل و التعب والنصب («قال اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ ولكم في الأرض مستقرّ ومتاع إلى حين» (الأعراف 24).إنّ رمضان شهر الصيام، شهر الإرادة، شهر الامتناع عن تلبية شهوات النفس ورغباتها، شهر الانتصار الأعظم، انتصار الإنسانية في أخطر امتحان، امتحان كبح جماح النفس الراغبة فيما فيها هلاكها وخسارتها، شهر الاستضاءة والاسترشاد بالتجربة الإنسانية الأولى، التي ما زلنا نعيش نتيجة الرسوب فيها، فنحن ما زلنا في موطن الكدح والعناء والكدر، نعاود التجربة سعياً للنجاح في والعودة إلى الوطن، العودة إلى جنان الخلد موطن السعادة والنعيم.