بصراحة وبدون مجاملات، أؤمن بأننا في حاجة اليوم إلى صدور فتوى تبيح لفئات من البشر الإفطار في رمضان وعدم الصيام.وهنا لست أتحدث عن الفئات التي حددها الشرع والفقه الإسلامي، بحيث يباح لهم الفطر لظروف مختلفة، مبعثها أسباب تجعلهم غير قادرين على الصيام، بل أتحدث عن فئات فطرها أفضل من صيامها.نعم، هناك من لا يؤجر على صيامه، بل لربما أجره أعظم وأكبر إن أفطر!!هذه النوعية التي نتحدث عنها موجودة بكثرة في مجتمعنا، والتي «حرام» عليها أن تقوم بتعطيش وتجويع نفسها تحت ذريعة «الصيام»، في وقت «أخلاقها» وتصرفاتها لا تمت لأخلاقيات الصائمين بصلة.ما تعلمناه من ديننا ومن آبائنا منذ صغرنا، أن الصيام إلى جانب أنه ركن من أركان الإسلام، فإنه أيضاً ممارسة إنسانية راقية، فيها من المضامين العديدة، وعلى رأسها عملية «تهذيب» النفس والأخلاق، وتعليم الصبر والحلم والأناة، وأيضاً تذكر معاناة الفقير والجائع.الصائم لا يعتبر صائماً إن لم ينله من صيامه سوى الجوع والعطش، الصائم يجب أن يصوم أولاً عن «فحش» الكلام و»سوء» الأخلاق و»قبيح» الفعل، قبل أن يصوم عن الطعام والشراب.لكننا للأسف بتنا نرى شهر رمضان الكريم على أنه شهر «للطعام» أو شهر «للنوم» بعد السهر، أو شهر فيه مزاجنا متعكر لأننا نصوم عن الطعام والشراب، ونقول بناء على ذلك بأن «الجوع كافر»، أو لأن بعضنا من المدخنين تنتابه حالة هيستيرية عصبية بسبب نقص «النيكوتين»، فتصدر عنه تصرفات غير مقبولة وألفاظ غير مسؤولة، والعذر بقوله: «يا جماعة اعذروني موقف تدخين حتى الفطور».لذلك كل مرة نقول، مع بدايات الشهر الفضيل بأن هناك نوعيات من البشر هي من «تشوه» صورة شهر رمضان، هي من تصوره للبعض وكأنه «عذاب» بدل أن يكون «رحمة»، والسبب تصرفات بشرية «لا تفهم» المغزى الحقيقي من رمضان، ولا تراه سوى شهر لابد وأن يكون مزاجهم فيه متعكراً طوال الصباح، وأخلاقهم في أدنى الحضيض، وفي الليل يعود وكأنه إنسان سليم معافى، بعد أن يملأ كرشه أو يملأ صدره دخاناً.وعليه فإن هذه النوعيات من الناس، من الأفضل لها ولغيرها ألا يصوموا، خاصة إن لم تكن لديهم النية بأن يمتثلوا بأخلاقيات الصيام، إذ يكفي الناس التعب الذي ينالهم شخصياً جراء الصوم في الأجواء الحارة، فلا يزيدون عليهم بأمزجة متعكرة أو نفسيات منغلقة أو أخلاق متدنية.بات عرف الناس في رمضان، بأنك من الجنون أن تراجع دائرة حكومية، إذ في الأيام العادية قد لا تحظى بمعاملة طيبة حسنة، فما بالك في رمضان، وكثير من الموظفين يداوم إما متثاقلاً أو بمزاج متعكر، تخيلوا حينها كيف ستكون المعاملة وكيف ستكون الأخلاق؟!أصلاً، لو فكر أحد الباحثين بأن يقيم دراسة مسحية على موظفي الدولة في رمضان، ويقيس نسبة إنتاجيتهم في الشهر الفضيل مقارنة بما تكون عليه في الشهور العادية، سيجد نتائج مخيفة طبعاً، وهذا باعتبار أن الإنتاجية أصلاً متدنية وغير ذات نسب عالية في الأيام العادية.بل الأخطر من ذلك، لو قمنا بدراسة لمعرفة عدد الموظفين الذين يبتسمون لمراجعيهم في رمضان في الدوائر الحكومية والقطاعات الخدمية، لربما نصاب بالذهول!! حتى الابتسامة باتت صعبة على من يصومون، وحتى الكلام الطيب مع المراجع، وطولة البال، واتساع الصدر، باتت من المستحيلات التي لا يمكن أن تصدر عن صائم.طبعاً لو خليت خربت، فهناك أمثلة لأناس بالفعل يتمثلون بأدبيات الصيام، هو بالنسبة لهم ليس صوماً عن الطعام والشراب، بل صوماً عن كل الأفعال السيئة، فلا غيبة ولا نميمة ولا كذب أو احتيال أو سوء معاملة، رمضان بالنسبة لهم امتحان لقوة الصبر والتغلب على الانفعالات الشخصية، وكبح جماح الغضب، وتنمية القدرات في التعامل مع البشر بصورة إنسانية راقية.والله شخصياً لا أتردد في قولها بوجه أي شخص يطالعني في رمضان بوجه مكفهر عبوس، أو حالة نفسية متعبة، بأن من الأفضل له أن «يفطر»، فهو واضح تماماً أن شهر رمضان الكريم «ضيف ثقيل عليه»، وأنه لو كان الخيار بيده لما صام، إذ لماذا يتعب نفسه ويعكر مزاجه؟!الصيام ليس فعلاً تقوم به لنفسك فقط، بل هو شيء من شأنه تهذيب حياتك، وتعديل أسلوب تعاملك مع الناس.تذكروا دائماً حقيقة الإنسان تظهر جلية وبارزة وواضحة من دون أي مكياج أو ديكور، حينما يكون إما غاضباً أو خائفاً أو جائعاً، بالتالي من يحوله الصيام لإنسان يتوجب أن «تنفر» و»تفر» منه، فهذا والله إنسان لا يجب أن يصوم، فأجر صيامه سيطير بسبب أذيته للآخرين وسوء تعامله.الصيام «أخلاق».. لا «انعدام أخلاق»!