الرأي

وقفات رمضانية

رسائل حب








* أهلاً رمضان: يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: «رمضان الذي نجتلي فيه أجمل صفحات الوجود، وما كنا لنجتليها قبل رمضان، لأن الحياة سفر في الزمان، يحملنا قطار الأعمار، فإذا قطع بنا أجمل مراحل الطريق، حيث يولد النور، وتصفو الدنيا، ويسكن الكون، مرحلة السحر، قطعها بنا ونحن نيام لا نفتح عليها عيوننا ولا نبصر فتونها».. فأهلاً رمضان.
* #عاشق_الخيرات: لأن عشق الخير هو عشق للجنان الخالدة، ليكن «مشروعك في رمضان» الذي ستنطلق منه للخيرات، حتى تبصم بصمات الخير وتخرج من رمضان بمشروع جديد وأسلوب مغاير لعمل الخير.. فلا يكن حظنا من رمضان النصب والتعب، بقدر ما هو مشروع رباني نربي فيه أنفسنا أولاً، ثم ننشر الخير ونمسك بأيادي الحيارى الذين قصروا في جنب الله.. فيكون هذا الشهر معينهم الخصب للتغيير والعودة إلى الله.
* انشراح الصدر: كم يحتاج المرء في الكثير من الأحيان أن يكون منشرح الصدر مطمئن القلب، يبتسم في أغلب الأحيان، طيب المزاج.. هذه الحالة النفسية تعطيه المجال الأوسع لكي يكسب القلوب، ويزيد من محبة الناس وألفتهم.. يقول المولى تعالى: «ألم نشرح لك صدرك». وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أشرح الناس صدراً.. وكان يبتسم حتى في الأوقات الحالكة وفي المعارك.. ولعل المتتبع لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ينكس رأسه أسفاً على واقع نعيشه في حياتنا اليومية.. واقع التقصير في جنب الله تعالى.. التقصير الذي جعلنا نبتعد عن ميادين الإيمان والخير والعطاء.. فصلاتنا ركيعات نركعها ثم ننصرف لشؤون الدنيا.. وعبادتنا تقتصر على جوانب محدودة وبأوقات قصيرة.. أما عطاء الخير فيكاد ملامحه أن يتلاشى عن واقع حياتنا.. فيا ترى ماذا بقي لنا؟ وكيف ستنشرح صدورنا بعدها؟ في رمضان فرصة لجبر الخواطر ورأب صدع النفوس، وتجديد الحياة بمثل هذه المعاني.. فانشراح الصدر في رمضان هو فرصة لفتح الأبواب أمام الجميع، وفرصة للعودة الصادقة إلى الله تعالى، والعودة الصادقة إلى النفس حتى تستطيع أن تحافظ على الفرائض وتكون أشرح الناس صدراً تأسيا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
* لا تنتظر شكراً من أحد: يقول المولى تعالى: «إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا». فمع طبيعتنا التي دائماً تشتاق إلى كلمات الإطراء والمديح وإلى الوفاء بجهود الخير، فإن المرء ملزم أن يجدد نيته لله تعالى ويخلص في عمله، ويفعل الخير والجميل بدون أن ينتظر شكراً أو إطراءً من أحد، لأن الجحود صفة من طبيعة البشر.. فلا تكتب في سجل حساباتك اليومية تقصير الناس معك، ولا تضيع وقتك بفلان ما اتصل بي، أو غيره لم يشكرني، أو علان لم يقم بتهنئتي أو التواصل معي وغيره.. فإنما قبول الأعمال وفعل الخير هو لوجه الله تعالى أولاً وأخيراً، ومن يحاسب الناس هو المولى الحكيم، وليس من الحكمة أن نظل في دوامة الغرق في تقصير الآخرين معنا.. بل افعل الخير وانتظر بركته في حياتك وآخرتك.
* هل عرفوك؟ يتبادر إلى الذهن هذا السؤال لأولئك الذين لم يعرفوا حرصك واهتمامك وقدرك إلا في مراحل متقدمة من الحياة.. فهم في فترات مهمة من حياتك لم يقبلوا على ذلك الجهد الذي حملته معك من أجل نشر الخير.. ولم يفهموا بصورة صحيحة تك الصور المرسومة في نفسك.. فإن جاز التعبير لم تحن الفرصة لديهم إلا في وقت متأخر من الحياة حتى يفهموا طبيعة النفوس.. فالحياة ما هي إلا محطات وفرص، السعيد من اقتنصها كلها في الخير، وعرف كيفية ترويض النفوس وفهم مقاصدها، واستغلال طاقاتها الجبارة التي ترنو ببصرها إلى مقاصد الخير وكتابة خطة متكاملة لأطر «الحياة الناجحة».. لن يستطيع معرفتك إلا من شارك معك في جميع لحظات الحياة.. ولن يقوى على فهمك إلا من قرأ تقاسيم قلبك وطيبته.. وفي جميع الأحوال أنت الفائز بحرصك على إرضاء ربك والعمل لله تعالى وحده..
* قبلة على الجبين: جميل جداً أن تحظى في هذا الشهر الفضيل بإقبال وجوه الخير ورواد الذكريات في حياتك.. بالفعل رمضان يجمع القلوب ويعيد النفوس إلى ميادين الخير.. وبالأخص تلك المقصرة في علاقاتها مع الأقرباء والأصدقاء والأحباب في الله.. والأجمل من ذلك كله أن تحظى بقبلة على الجبين من أبناء بررة كانت لك معهم صولات وجولات في محافل الخير.. منذ أيام تفاجأت بذلك الفتى الذي يقبل من بعيد بابتسامته المشرقة وقبلته المؤثرة.. فإذا هو ذلك الفتى الذي كان معنا يوما ما يتدارس كتاب الله في مسجدنا المبارك.. بالفعل رمضان هو الخير المتجدد في النفوس.
* المشهد الأخير: أعجبتني تلك المفاجأة التي أعدها طاقم برنامج «سواعد الإخاء 4» الذي يعرض حالياً في شهر رمضان المبارك، لمجموعة المشايخ المعروفين.. المفاجأة هي تقرير إعلامي عن الشيخ بعد وفاته.. بالفعل أبكتني المشاعر المتفاوتة للمشايخ المشاركين، حتى أن بعضهم عجز عن التعليق وظل يبكي حزناً على نفسه وتقصيره في تقديم الخير للمجتمع.. سبحانك ربي أسماء لامعة في عطاء الدعوة والخير، وكلماتها متجددة في أسماعنا كل رمضان، وصولات وجولات من أجل نشر الخير، ومشاركات خصبة في وسائل التواصل الاجتماعي.. ومع ذلك فإنها ما زالت مقصرة؟ بالفعل هل أعددنا تقريرنا ووضعنا ملامح صورتنا بعد الرحيل من دنيا البشر؟ يا ترى كيف سيكون الحال؟ وماذا سيقول عنا الناس؟ وما هو الأثر الذي سنتركه وستراه الأجيال وتدعو لنا بعده؟ اللهم جمل حياتنا بكل خير يقربنا إليك..