سيظل الفنان ناصر القصبي أيقونة جميلة في زمن هبوط المستوى الفني للتمثيل في الوطن العربي، فهو الفنان الإنسان الذي مازال يفجر مجموعة من المفاجآت في أعماله الفنية ليلفت أنظار المجتمعات العربية لبعض الأدواء المزمنة التي تسيطر على مفاصل التفكير عند الكثير من المسلمين والعرب في عصر يعتبر من أشرس عصور الانحطاط الفكري والثقافي، فجاءت أعمال «القصبي» موازية لهذا السقوط المروِّع في أحضان التخلف والإرهاب، فحاولت فتح مجموعة من النوافذ والكثير من الرسائل وبعض الضوء من خلال أعمال فنية قيمة بصيغة ساخرة.في هذه المناخات المشحونة بالكراهية والرجعية والتطرف يظل العمل الفني الفاضح لكل أشكال الانحطاط الفكري والأخلاقي هو من صلب الرسائل الفنية التي يطلقها الفنان اليوم، بغض النظر عن تبعات الكلمة الهادفة التي ربما تحدق به وتحاصره عبر تهديدات بالتصفية أو التسقيط، ومع كل هذه الإرهاصات يظل الفن مستقلاً عن كل أشكال الضغط ليؤدي مهمته لتحرير الإنسان من كل أشكال الخرافة والتطرف والإرهاب.يعتبر الصراع «السني الشيعي» من أبرز مظاهر الصراعات الحاصلة في وقتنا الراهن، والذي لا يمكن إنكاره أو التنصل من وجوده ولو بدرجات متفاوتة بين مجتمع وآخر، ومن هنا يجب أن تنطلق الرسائل الفنية لمعالجة هذا الصراع وإخماد لهيبه بقوالب مختلفة، لعل من أبرزها القوالب الكوميدية الساخرة التي ربما تحدث صدمة في واقع المجتمعات المستغرقة في صراعات ومعارك وهمية كي توقظهم من سباتهم القميق.إذا لم يكن للفن رسالة هادفة وواضحة سيكون غير صالح للحياة فضلاً عن المشاهدة، ولهذا جاء القصبي ليعلن عن عهدٍ مختلف من الفن العربي الهادف لمعالجة عهد متخلف تغوص تفاصيله في وحل ومستنقع التطرف فكانت نتيجته أن تورط شبابنا وكبارنا وربما حتى صغارنا في قضايا الإرهاب والكراهية والعنف، ولهذا لن نستغرب حجم الحملة الشرسة ضد الفن الذي يحمل على عاتقه رسالة حفظ كرامة الإنسان وعدم قبول استعباده في قضايا طائفية كريهة في الوقت الذي يتصارع العالم على اكتشاف المجرات والفضاءات العلمية التي تتيح للبشر العيش في كواكب أخرى غير الأرض.في كل الحالات، سيظل المستهدَف من هذه الحرب ضد القيود الدينية والسياسية المتطرفة ليس الفنان ناصر القصبي أو غيره، بل هو الفن الذي يحاول أن يصرخ بصوت مسموع ضد كل أشكال التخلف والانحراف الأخلاقي التي تخرج عن منظومة القيم الإنسانية، ولهذا سيكون «سيلفي» عبارة عن المسمار قبل الأخير في نعش التطرف الديني، أما المسمار الأخير فهو وعينا بأهمية أن نجنب إنساننا وأوطاننا هذه المهزلة التراجيدية التي تستبيح كل القيم باسم الإله.