كنت قد كتبت قبل حين مقالاً عن تقرير بسيوني ودعوت فيه «المعارضة»، على اختلافها، إلى تجاوز هذه المرحلة والنظر إلى الأمام لأن الحديث في هذا الأمر غير مجد، فتلك مرحلة انتهت ويكفينا منها أنها وفرت تجربة تخشى كثير من دول العالم الدخول فيها. وكنت قد فوجئت بامتداح أحد القياديين بجمعية «الوفاق» لذلك المقال واقتناعه برأيي ودعوتي تلك وتأكيده بأن على «المعارضة» أن تتوقف عن الحديث في هذا التقرير. لكن الواضح أن تلك الدعوة لم تجد الاستجابة، فلايزال الجميع يتحدث عن هذا التقرير وعن رأي البروفيسور بسيوني وعن الذي تحقق من توصياته كلياً أو جزئياً. في اليومين الماضيين كثر الحديث عن البيان الذي أصدره بسيوني بعد نحو شهر على نشر وكالة أنباء البحرين بيانه الذي وفره يوم تكريمه من قبل جلالة الملك وأشار إلى أنه حدث خطأ في ترجمة إحدى الجمل أدت إلى إساءة فهمه، وهذا من حقه. ما حدث بعد ذلك هو أن «المعارضة» في الداخل والخارج عادت للحديث بشراهة عن تقرير بسيوني وتنادت لتحليل موضوع تأخره في إصدار بيانه الأخير، وتنبيهه إلى ذلك الخطأ في الترجمة، فانشغلت به رغم علمها بعدم جدوى كل هذا، ما يؤكد أن هذه «المعارضة» تعاني من مشكلة كبيرة، فعندما تعيد وتكرر الحديث في موضوع معين تعلم جيداً أنها لن تظفر من الحديث فيه بمفيد فإن هذا يعني أنها تفتقد إلى الرؤية، ولا تفكر في واقعها بموضوعية ولا تعرف خطوتها التالية، وهذه مشكلة بالفعل، إذ كيف للحكومة أن تتعامل مع «معارضة» تعتبر الحديث في أمر مضى أولوية ولا تستطيع أن تفلت من أسار الماضي؟ السؤال الذي ينبغي من هذه «المعارضة» توفير إجابة عنه هو هل إذا تم تنفيذ توصيات بسيوني كاملة سينتهي كل شيء؟ الجواب الأكيد هو «لا»، وهذا يعني أن مرحلة بسيوني انتهت، ويكفي كل طرف ما ربح منها. اليوم نعيش مرحلة أخرى جديدة تفرض معطيات جديدة وتتطلب تفكيراً مختلفاً ومواقف مختلفة. الأجدى من «اجترار» موضوع تقرير بسيوني هو دراسة معطيات الواقع الجديد والسعي إلى توظيفها لخدمة الحراك الوطني. لنفترض أنه لم يكن هناك تقرير بهذا الاسم وأنه لم يحدث أن جيء بقضاة دوليين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة ليقيموا الوضع ويقترحوا الحلول، فهل هذا يعني أن «المعارضة» ستتوقف عن التفكير في حلول تعين الوطن على الخروج من هذه المشكلة؟ مرحلة بسيوني انتهت ولا فائدة من الحديث فيها بهذا الشكل المكرر والفج، والحديث عن الخطأ في الترجمة الذي أشار إليه بسيوني لا يغير من الواقع شيئاً خصوصاً وأن الحكومة لاتزال تعمل على تنفيذ كل التوصيات. على «المعارضة» أن تعلم أن مرحلة جديدة قد فرضت نفسها وأن لهذه المرحلة معطيات مختلفة، عليها أن تتعامل معها وتحاول أن تستفيد منها لحل المشكلة، كما أن عليها أن تعمل على تقديم مشروع متكامل يمتاز بعدم ابتعاده عن الواقع، فالمشاريع التي تم تقديمها حتى الآن هي نفسها التي تم تقديمها من قبل ولكن بصيغ مختلفة، وكلها بعيدة عن الواقع ويصعب القبول بها. الطريق العملي هو توقف «المعارضة» عن الحديث فيما مضى وخصوصاً تقرير بسيوني، وتقديم مشروع واقعي يشجع الحكومة على دراسته والأخذ به، وكذلك التواصل مع الحكومة بشكل مباشر لإيجاد مخرج مناسب للمشكلة. ما ينبغي أن تدركه «المعارضة» هو أن استمرار المشكلة ليس في صالحها، فالناس، كل الناس، يريدون نهاية لهذا الذي يحدث، والنهاية لا تأتي بتكرار الحديث عن مرحلة انتهت.
Opinion
نهاية تقرير بسيوني
10 يونيو 2016