ما قام به الشابان الفلسطينيان في مركز «سارونا ماركت» للتسوق بتل أبيب والواقع بالقرب من وزارة الدفاع والمقر الرئيسي للجيش الإسرائيلي مساء الأربعاء الماضي وأسفر عن مقتل أربعة إسرائيليين وجرح آخرين هو بالنسبة للكثيرين – وخصوصاً الفلسطينيين – بطولة وعملاً أسهم في شفاء شيء من الغليل الذي تمتليء به القلوب نتيجة التعنت الإسرائيلي وإصرار قادته على مواصلة درب احتلال الأراضي الفلسطينية بالقوة، فالحصيلة بالنسبة إلى هؤلاء جيدة ويكفي أنها بينت أن الإسرائيليين لا يمكنهم أن يتمتعوا بالأمن والأمان طالما أن المشكلة الفلسطينية لم تحل بعد، ويكفي أنها كشفت أن إسرائيل تظل عاجزة عن توفير الأمن حتى مع كل الإجراءات الصعبة التي تفرضها، فعندما يتمكن شابان من القيام بهذه العملية الصعبة في تل أبيب فإن هذا يعني أن إسرائيل تعاني من هشاشة في الأمن وإلا لما تمكنا من القيام بكل هذا الذي قاما به.لكن، لأن هذه العملية وغيرها من التي يتم تنفيذها بين الحين والحين سواء بالبنادق أو السكاكين أو الصدم بالسيارات أو غيرها لا يمكن أن تؤدي إلى توفير حل للمشكلة الفلسطينية بل على العكس تزيد الطين بلة ولا ينتج عنها سوى مزيد من العقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين، لذا فإن سؤالاً عن الجدوى من كل ذلك لا بد أن يطرح وبقوة.ما فعله الشابان أفرحهما وأفرح الكثيرين حتى من غير الفلسطينيين واعتبروه بطولة، لكنه في المقابل تسبب في الإضرار بالفلسطينيين، ويكفي أنه نتيجة لذلك تم إيقاف تصاريح 83 ألف فلسطيني من الضفة الغربية ومحاصرة القرية التي ينتمي إليها الشابان، ما يعني أن ضحايا من الأبرياء سيسقطون، إن لم يكونوا قد سقطوا بعد.العملية التي قام بها الشابان الفلسطينيان تعتبر بكثير من المقاييس بطولية لكن سوالبها كثيرة وتؤدي إلى الإضرار بالقضية الفلسطينية وقد تخسرها الكثيرين من المتعاطفين معها، فمن قتلوا في تلك العملية وجرحوا ليسوا بالضرورة من يستحقون القتل والفناء بل لعل منهم من هو متعاطف مع الفلسطينيين أو ربما يعمل معهم، فالعملية كانت عشوائية والرصاص الذي انطلق لم يكن يستطيع أن يفرق بين الضحايا أو ينتقيهم.ولأن الكل مع القضية الفلسطينية لذا فإن الأفضل من كل هذا هو أن يبادر أصحاب القرار في الحكومة الفلسطينية ومختلف فصائل المقاومة باتخاذ الإجراءات التي تضمن التوقف عن القيام بمثل هذه العمليات، وقتية الفرحة، والعمل على إيجاد صيغة تؤدي إلى حل المشكلة من جذورها وهذا أمر غير مستحيل، فما يحدث الآن هو أن البعض من الشباب يقوم نتيجة لما حصل له أو لأحد من أقاربه ولوطنه بتنفيذ عملية يخطط لها بنفسها ولا يستشير في ذلك أحداً ولا يهمه إن وقع في الأسر أو جرح أو استشهد، لكنه أبداً لا يحسب لنتائج عمله وقد لا يدرك حجم الضرر الذي يتسبب فيه على أهله وبلدته أولاً وعلى القضية.رد فعل الحكومة الإسرائيلية حتى الآن كان قاسياً ولعله يزداد قسوة في الأيام المقبلة خصوصاً بعد تصريح نتنياهو الذي ملخصه «ناقشنا عدداً من الخطوات الدفاعية والهجومية التي سنتخذها للتصدي لهذه الظاهرة»، وبعدما عبرت «حماس» عن فرحتها بهذه العملية وإعلانها أن منفذيها من كوادرها وقول الناطق باسمها إن العملية «تعد أولى بشائر الشهر الفضيل لشعبنا ومقاومته الباسلة، وأولى المفاجآت التي تنتظر الاحتلال خلال شهر رمضان».نعم، ما حدث هو كما قالت حماس «كسر لهيبة منظومة الأمن الإسرائيلية وضرب للاحتلال في عقر داره»، ولكن لأن القصة لا تنتهي عند هذا الحد لذا فإن أسلوباً آخر ينبغي على حماس وغير حماس التفكير فيه، فالأبرياء جميعاً في ذمتهم.