لعل من أبرز سمات التحالفات القوية بين الدول في عصرنا الراهن هي قدرتها على بناء منظومات اقتصادية قوية وثابتة في ظل أي انهيار محتمل، فالدول الفقيرة مثلاً لا يمكن أن تتحالف مع بعضها بالشكل الذي يضمن مستقبلها على المدى البعيد، فاليوم هو زمن الدولار والنفط والتكتلات المالية التي تحكمها الأرقام الفلكية، بينما لا يمكن للدول التي لا تمتلك النفط والثروات أن تصارع للبقاء إلا حين تمتلك مقومات أخرى لا تخطئها العين قد تجعل حظوظها في الاستمرار أكثر قوة، لكن حين تمتلك الدول قوة اقتصادية ضاربة وثروات هائلة ومع ذلك لا تتجه لبناء تكتلات سياسية وغيرها فإن هنالك خللاً ما يجب فحصه. من المؤكد أن كل دول العالم تعي هذا الأمر، وهو أنه يجب على الدول القريبة من بعضها جغرافياً وعرقياً إضافة إلى الكثير من المشتركات والعوامل المساعدة التي من شأنها أن تقوِّم حركة الاتحادات بين هذه الدول كاللغة والدين والتاريخ أن تتحد فيما بينها، أما في حال تجاهلت هذه الدول حزمة المشتركات لتلتف حول مصالحها القطرية أو الوطنية الضيقة فإنها لا يمكن أن تنهض بالشكل الذي يتسق مع هذا العصر الذي يتسم بالندية والتكتلات القوية، وفي حال استمرت في تراجعها أو خوفها من تشكيل تكتلات مع بعضها البعض فإنها لن تكون ناجزة حتى ولو كانت أغنى دول العالم.في ظل هذا الوعي بأهمية أن تكون التكتلات والاتحادات ضرورة وليس ترفاً في زمن تكتل الأقوياء، نصاب بخيبات أمل حين نشاهد حزمة التعقيدات التي تضعها بعض دولنا كعقبات في وجوه الخليجيين وقت التنقل والسفر والتبضع والاشتغال بالتجارة البينية بين دول وشعوب مجلس التعاون الخليجي، فحين نتعرف على سرعة مرور المواطنين الغربيين والتنقل بين دولهم بكل سلاسة، وحين نعرف سرعة التبادل التجاري الضخم بين الدول الأوروبية الذي ربما يتم بضغطة زر لا أكثر، نتأسف كثيراً حين نشاهد طوابير السيارات الخليجية وهي على امتداد البصر من أجل أن تعبر حدود دولها، كما نتألم ونحن نرى البضائع المحملة فوق الشاحنات المعطلة والمكدسة عند حدودنا الخليجية والتي ربما يصل وقت انتظار عبورها لأيامٍ وأسابيع!حين لا نستوعب ولا نعي أهمية التكتلات الاقتصادية والسياسية القوية، فإننا لن نتزحزح من مكاننا لنتجه صوب التطور وبناء دول تقوم على التنمية المستدامة، وسنظل نشاهد الشاحنات المحملة بالبضائع لأسواقنا الخليجية وهي معطلة عند حدودنا الخليجية نفسها، إنها المفارقات الأكثر إيلاماً في عصر التكتلات. فهل سنستوعب كل هذا التراجع لنعالجه باتحاد رصين وحقيقي يضمن مستقبلنا؟ أم أننا سنظل نشاهد «زحمة» العبور اليومي لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي وهم يقفون على منافذ دولهم دون تسهيلات تذكر؟إن الاتحاد الخليجي - الاقتصادي منه تحديداً - يحتاج لأن نقوم بعمل جبار ومتواصل يعيد للسوق الخليجية مكانتها وقوتها، أما حين نمر على منافذ حدودنا لنرى البهدلة بأم أعيننا وتكدس شاحنات تجارنا في الجهة المقابلة دون أن تتحرك متراً واحداً طيلة أيام وليالٍ طويلة فتأكد أن الخلل الخطير مازال قائماً. فالتنمية الخليجية تحتاج لعمل شاقٍ وليس إلى مظاهر لا تروي لنا سوى السراب، والتي سرعان ما تتهاوى مع أضعف ريح قد تكشف عيوب منظومتنا الاقتصادية برمتها.