عندما طرق لقب «سلطان المسلمين» مسامعي، استحضرت تلك الصور النمطية التي تقدمها المسلسلات التاريخية التي أعشقها، فرغم الاسم المهيب لسلاطين دول الخلافة الإسلامية المتأخرة، لاسيما العثمانية، أصبح اسم السلطان لصيقاً برموز أساسية كالكأس والجارية الغانية والراقصة وجارية المخدع!! وقبل أن أنسى فأكثر ما يميز السلاطين آنذاك اتكاؤهم على كراسيهم المذهبة والمبطنة بالديباج والحرير، متناولين عناقيد العنب، لقد ارتبطت صورة سلاطين المسلمين المتأخرين بمدلولات الفساد والترف، ورغم هذا كله.. يبقى السلطان سلطاناً وأميراً للمسلمين!! ويا لتلك الصدفة.. التي استدعت لقب «سلطان المسلمين» ليخترق مسامعي دون سابق إنذار ودون أخذ إذن من حاجب أفكاري المتواضع، جاء ذلك في التغطية الإعلامية لمؤتمر «شكراً تركيا» المنعقد في إسطنبول والذي حضره عدد من قيادات «الإخوان المسلمين» من الجاليات العربية والإسلامية، في ترويج وتسويق مبتكر لـ«رجب طيب أردوغان « وتعزيز لصورة تركيا «حامية حمى المسلمين»، و«رمز الشرف الإسلامي» الوهمي. في استحضار لمثالب الخلافة العثمانية وبهرجها، وتغييب لسوءاتها التي مارست صنوف العنصرية بإقصاء العرق العربي، وفي تجاهل معلن لـ«أكرمكم عند الله أتقاكم» الأمر الذي يعد إحدى أهم ثوابت المعاملات والأخلاق الإسلامية. ناهيك عن التأكيد على الإشارة لتركيا باعتبارها عاصمة للخلافة والدولة الإسلامية، في تغافل مكشوف عن كون مكة مهد الدين الإسلامي والمدينة المنورة دولته وعاصمته الأولى!! فيما كلنا نعلم، أن فجر العلمنة الإسلامية طلع في تركيا، ما أدى لانحسار مفهوم الإسلام السياسي الذي نعرفه، وأن النموذج التركي الجديد قد استثمر دولة الخلافة العثمانية رافداً فكرياً لسياساته الجديدة إزاء الشرق الأوسط، مستنيراً من ناحية أخرى بفكر «الإخوان المسلمين» ونهجهم في تدعيم ذلك النموذج، فعينت تركيا نفسها عاصمة للخلافة ووجهة «للإخوان المسلمين»، كما جعلت إيران من نفسها عاصمة سياسية لشيعة العالم. ثم إن الدندنة على وتر الخلافة وإعادة ما يزعم لها من أمجاد، أمر وثيق الصلة بإعلان دولة الخلافة الإسلامية «داعش» والتي ارتبط اسمها بالإرهاب والقتل باسم الله، وفيما تمارس تركيا محاولاتها لمشروع العثمنة الجديد مستنيرة بنعومة الفرس وادعاءات «داعش» ومبرراتها، فإن تركيا -التي خرجت عن ملة الإسلام السياسي، وشكلت البون الشاسع بينها وبين النماذج البارزة إسلامياً والمبنية على ثوابت دينية وأصول- ورغم أنف كل العلاقات البينية التي تجمعها بدول الخليج العربي والعالم الإسلامي، تظل بين قوسين وموضع نظر، يوجبان الحذر.* اختلاج النبض:بعيداً عن الموقف الإماراتي الواضح من «الإخوان المسلمين» والذي تطرقنا إليه في مقالات عمرها سنتان وأكثر، أتساءل عن المواقف المستقبلية وقبلها الآنية لبقية دول الخليج العربي، لاسيما بعض الدول التي تجمع حكوماتها بالإخوان علاقات وثيقة وروابط معلنة تخشى عواقبها، وحول العلاقات «الإخوانية» اللافتة مع تركيا، ناهيك عن استفحال وانتشار تلك الفئة في كثير من المؤسسات الحكومية الخليجية بنظام الشللية والتمركز، وهو ما بحت به الأصوات وجفت له الأقلام، ولا مجيب أو متخذ للحذر!!