لغة الأرقام والمساحات قد تعطي مؤشرات جيدة أحياناً لفهم الظواهر السياسية. المنامة عاصمة البحرين أكبر مدن المملكة ومساحتها تصل إلى أكثر من 27 كيلومتراً مربعاً، أما العاصمة الأمريكية واشنطن فإنها أكبر من المنامة بنحو 6 أضعاف، وإذا انتقلنا شرقاً سنجد أن العاصمة الإيرانية طهران أكبر من المنامة بنحو 703 أضعاف.المجموع يكون 709 أضعاف تعادل مساحة واشنطن وطهران مجتمعتين مقارنة بالعاصمة البحرينية، هذا الرقم يقودنا إلى ربطه بمساحة البحرين الإجمالية البالغة 765 كيلومتراً مربعاً فقط، ما السر في تقارب المساحتين سواءً كانت بالكيلومتر المربع أو المقارنة بالضعف؟السر أن هناك معركة مستمرة في البحرين منذ فترة، بدأتها طهران القريبة، وشاركتها واشنطن البعيدة، والطرفان يعملان على الضغط على البحرين والفوز بمعركة المنامة لأنها المعركة الأولى التي يمكن أن تكسر منظومة مجلس التعاون الخليجي، وتكون باكورة معارك أخرى مع العواصم الخليجية والهدف الرئيس هو الرياض.واشنطن وطهران تتفقان في كثير من الملفات، فهناك الملف النووي الإيراني الذي تمت تسويته مع الغرب بما يضمن أمن إسرائيل فقط، ولم يكن هناك ذكر لدول مجلس التعاون في الاتفاق. والبلدان يتفقان على ضرورة إعادة رسم منطقة الشرق الأوسط، وبدايتها الخليج العربي وفقاً لأسس إثنو ـ طائفية من خلال الاتفاق على تشكيل ديمقراطيات عربية هشة على غرار الموجود في العراق، تتحكم فيها طهران، وتضمن واشنطن عدم المساس بمصالحها.واشنطن التي يهمها كثيراً النفط وأمن إسرائيل في المنطقة، مازالت هذه المصالح قائمة وهناك عوامل تحافظ عليها من المساس. في السابق كانت واشنطن تعوّل على حلفائها الخليجيين في حماية مصالحها الإقليمية في المنطقة، ولكنها لم تعد بحاجة لهم اليوم، بل هناك طهران التي يمكنها تحقيق المصالح وحمايتها من خلالها.واشنطن وطهران تعملان منذ سنوات على إنجاز معركة المنامة، فسقوطها يعني بداية خارطة الطريق، وصمودها يعني تعطيلاً لها. لكن يبدو أن المنامة مازالت عصية على الولايات المتحدة وإيران، واللافت أن القائمين على ملف البحرين في هذين البلدين لم يطلعا جيداً على ملف تاريخ هذا الأرخبيل الصغير في الخليج العربي.التاريخ البحريني أثبت في أكثر من مرة، أن الاستعانة بالأجنبي للسيطرة على هذه الجزر تعد محاولة فاشلة، ليست للأجنبي نفسه، بل لمن يطلب المعونة من الأجنبي لأنه قبل أي شيء خائن ولن يجد من سيرحب به بين أهل البحرين.