أمر طبيعي أن تسعى «المعارضة» -أي معارضة في العالم- إلى إيجاد رموز لها لما لهذه الرموز من تأثير على الجمهور، فالكلمة التي يوجهها الرمز يختلف وزنها وتأثيرها عن الكلمة التي يوجهها شخص عادي، وإن كانت قامته عالية. في هذا السياق يستطيع المتابع أن يؤكد أن «المعارضة» هنا اهتمت بهذا الأمر وسعت خلال السنوات الخمس الماضية بقوة إلى إيجاد رموز لها كي تتمكن من التأثير في الجمهور بالكيفية التي تريد ولتكون قادرة على «تحريك الشارع» في أي وقت. لكن إيجاد الرموز لا يمكن أن يتحقق بالمبالغة وإلباس الأشخاص ثوباً «يخب» عليهم، فلا يمكن مثلاً إضفاء صفة «زعيم المعارضة» على شخص بعينه طالما أنه يعبر عن فصيل معين أو فئة معينة أو جمعية سياسية دون غيرها، ولا يوجد عليه إجماع ليحتل هذه المكانة، ولا يمكن قبول صفة «أكبر الحقوقيين في الشرق الأوسط شهرة وتأثيراً» مثلاً لتلصق بنبيل رجب، وهو ما سعى البعض إلى ترويجه في اليومين الماضيين بغية توصيل رسالة إلى مؤتمر جنيف مفادها أن «البحرين تعتقل أكبر الحقوقيين في الشرق الأوسط»!الرمز -أي رمز وفي أي مكان- لا يمكن أن يكون له تأثير إن لم يكن قادراً على ملء مركزه ويجد القبول من الجميع من دون استثناء، والشخص -أي شخص- لا يمكن أن يصير رمزاً لمجرد أن فلاناً أو علاناً أو هذه المجموعة أو تلك متعاطفة معه أو تربطهم به علاقة جيدة ويريدون أن «يرزوه»، فالقول إن «نبيل رجب أكبر الحقوقيين في الشرق الأوسط، وليس في البحرين فقط»، قول واسع ولا يمكن أن ينطبق لا على نبيل رجب ولا على غيره من الحقوقيين في البحرين.التعاطف مع سين أو صاد أمر وارد وطبيعي أيضاً، لكن المبالغة في التعاطف إلى حد إسباغ صفات على هذا السين أو ذاك الصاد لا تتوفر فيه أساساً لا يمكن حتى للجمهور الذي يحترم ذلك الشخص أن يقبل به. هذا تفكير استراتيجي خاطئ تقع فيه «المعارضة» لأنه يعود بالضرر عليها، ويمكن أن يتسبب في إيجاد شرخ فيها. وبصراحة لا يمكن لأولئك القابعين في لندن أن يقبلوا بإضفاء صفة «زعيم المعارضة» على أمين عام جمعية «الوفاق»، بل إن بينهم من لا يعترف أساساً بهذه الجمعية ويعتبرها معيناً للحكومة لأنها لا تنادي بإسقاط النظام كما ينادون، ولا يمكن لهم -أو لغيرهم في الخارج أو الداخل- أن يقبلوا بإطلاق الصفة الأخرى على نبيل رجب واعتباره رمزاً طالما أنهم يعرفون أموراً عنه ربما لا يعرفها غيرهم ويتخذون منه موقفاً.كلمة رمز -كما جاء في بعض التعريفات- «تعني الشخصية التي ينظر إليها الناس باعتبارها مرتبطةً ارتباطاً وثيقاً بحركة ما، أو دعوة ما، أو مؤسسة ما، ويرتبط هذا الرمز وجدانياً عند الجمهور بتلك الحركة، أو الدعوة أو المؤسسة، بحيث يصبح معبراً بصورة شعبية «غير رسمية» أمام الجمهور عن المبادئ والتوجهات والأفكار، سواء كان هذا الرمز دعوياً، أو سياسياً، أو مهنياً». وكل هذا لا ينطبق على «الرموز» التي سعت «المعارضة» هنا إلى إيجادها منذ بدأت تحركها قبل خمس سنوات.مرة أخرى، من حق «المعارضة» أن توجد لنفسها رموزاً كي تتمكن من التأثير على الجمهور والتحكم فيه وكسب تعاطفه في كل حين، فهذا أمر طبيعي ووارد دائماً، ولكن إيجاد الرموز لا يتم عنوة، وقد مر على البحرين من لا يمكن رفض رمزيتهم التي نالوها بطريقة طبيعية وكان الإجماع على شخوصهم متوفراً في كل حين، وكان فعلهم ملموساً ومؤثراً.