تناقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للوزير الكندي مارك هولاند وهو يستعرض تجربته عن الصيام وهدفه في ذلك تشجيع الناس والأطفال على تجربة الصيام للتعلم كيفية التغلب على الجوع في حال عدم استطاعتهم توفير الأكل.مما جاء في كلمته وبالمناسبة هو غير مسلم: «في الأسبوع المقبل سوف يحتفل مئات الآلاف من الكنديين بشهر رمضان وبالطبع مئات الملايين حول العالم، وأود أن أنتهز هذه الفرصة لأبارك لكل الذين يحتفلون بشهر رمضان وأقول لهم رمضان مبارك، في العام الماضي حظيت بفرصة صيام شهر رمضان كاملاً وهو شيء أود القيام به مرة أخرى دعماً لعمل خيري اسمه العطاء 30، والفكرة هي أن تأخذ النقود التي توفرها نتيجة الصيام اليومي، وأن تعطيها لمن هم أكثر حاجة، جهات توفر الطعام للمحتاجين على وجه الخصوص، عندما صمت كانت التجربة لا توصف، أن أعرف معنى الجوع وبطبيعة الحال تسنى لي أن أفطر في نهاية اليوم ولكن بالنسبة للكثير من الأطفال في كندا أو حول العالم للأسف هذا الإفطار لا يأتي أبداً، يتوجب عليهم أن يصمدوا خلال اليوم محاولين أن يتعلموا وأن يعدوا أنفسهم للمستقبل، دون توفر المساعدات الغذائية، هذا العمل الخيري يعطينا الفرصة للتعامل مع هذا الأمر وأن نستخدم قوة شهر رمضان لمساعدة الآخرين».ركزوا في كلمته التي تكشف ملامسته دون أن يدري «ربما» لروحانية هذا الشهر، وسر من أسرار وبركة الصيام، «نستخدم قوة شهر رمضان»، عندما نتأمل ما حولنا في دولنا العربية من بعض المظاهر الرمضانية نصدم وكأننا بذلك نستحضر كلمة الإمام محمد عبده رحمه الله «ذهبت إلى بلاد الغرب رأيت الإسلام ولم أرَ المسلمين، وذهبت إلى بلاد العرب رأيت المسلمين ولم أرَ الإسلام!».الوزير الكندي حاول إلى جانب الدخول في تجربة الصيام من خلال توفير النقود ومنحها لمن هم أكثر حاجة دعماً للعمل الخيري، استغلال هذه المناسبة في إيجاد موقف طيب يمد جسور التواصل بينه وبين المسلمين في كندا، بحيث يكون قدوة لهم في دعم الآخرين، ومساعدتهم وتحفيزهم للمبادرة بمثل هذه الأعمال، وبالتأكيد سيتأثر بكلمته العديد من الكنديين من غير المسلمين، لم يفكر وهو يقوم بذلك ما هي ديانته واتجاهاته السياسية وغيرها من أمور توجد التطرف الديني أو النعرات الطائفية بل ولم يتوقف عندها بالمرة فواضح من خلال كلمته أنه متسامح ومتصالح مع نفسه.عندما نأتي إلى دولنا العربية نجد أن بوصلة الكثيرين للأسف ضائعة، ولا يفقهون معاني الصيام، ولا يدركون سلاح «نستخدم قوة شهر رمضان»، خاصة أمام الموائد التي تفيض بالكثير من الأطعمة، مقابل إهمالهم توفير بعض المبالغ التي تصرف على بذخ الغبقات ووجاهة موائد الإفطار، لدعم أطفال سوريا أو العراق أو فلسطين أو المسلمين في أنحاء العالم، أقله على المستوى المحلي دعم الأيتام والفقراء، في كل عائلة يتواجد أقارب حتى لو من الدرجة الخامسة أما أيتام أو فقراء فهل فكر أحدهم أن يوفر قيمة المبالغ التي يصرفها ليمنحها إليهم حتى وإن حاول إيصالها بطريقة غير مباشرة أو عبر وسيط غير معروف منعاً لإحراجهم؟ هل من الصعوبة أن «يكنسل» البعض غبقة أوغبقتين ويأخذ قيمة المبلغ الذي سيصرفه على مدعويين كثير منهم أمام موجات الريجيم لن يأكل إلا اليسير، فيما البقية سترمى ويستبدل هذا السلوك باستخدام قوة الصوم في الشعور بالآخرين والعطف عليهم ليمنحه للأسر المتعففة والمحتاجة، في شراء «ماجلة رمضان والعيد للآخرين»، على سبيل المثال، حتى لو كان البعض يستخرج الصدقات ويقوم بواجب الزكاة هل فكر أن يضاعف أجره أكثر فأكثر بتخصيص المبالغ التي يصرفها خلال هذا الشهر لاستخدام قوة رمضان بالكامل كما فعل الوزير الكندي؟ هناك من يعتبر شهر رمضان شهر الأكل والتفنن في الطبخات، خاصة معشر النساء ويهملن أن يخصصن من وقتهن في هذا الشهر المبارك في عمل الخير لمن هم أكثر حاجة منهن، سابقاً كانت الجارة على أيام «راحوا الطيبين» تطبخ لها ولجارتها إن كانت مريضة أو ولدت للتو يومياً! قليل جداً من يفكر أن يستغل هذا الشهر الذي تتضاعف فيه الحسنات وأن يكون ممن يعتق من النار بأفعال تدر عليه مدخولاً من الحسنات وتبدد عنه الذنوب وتمحوها.حتى على مستوى محطاتنا الإعلامية في التلفزيون نجدها تفيض بموائد المسلسلات والبرامج التي أقرب ما تكون للحفلات الغنائية الاستعراضية، إلا فيما ندر وقل، لا نجد برامج دينية أو توعوية تبرز لنا قوة شهر رمضان وأسرار أعماله، تظهر لنا نماذج تسابق الآخرين في العطاء، برامج توجد خارطة طريق تنير للمسلم كيفية الوصول إلى أعلى مراتب الأجر والثواب وتبعده عن أية مظاهر سلوكية تدخل في قائمة الإسراف والتبذير أو حتى إضاعة ساعات رمضان فيما لا يخدم طاعاته وعباداته.ثلاثون يوماً من أجمل أيام السنة أمامكم فيها من مكامن القوة ما لا يخطر على بال بشر، ولا يتعرف عليها إلا القليل ممن نأى بنفسه وسخر وقته للعطاء، خاصة لفئات يعتبرهم من قائمة «من هم أكثر حاجة منا»، كما فعل الوزير الكندي الذي لامس أحد أسرار شهر رمضان، وتجاوز مسألة الصيام والامتناع عن الطعام والشراب، إلى أبعد من ذلك في التمعن وإدراك غايات الصوم وأسبابه وتسخيرها لأوجه الخير.
Opinion
قوة رمضان في مساعدة الآخرين!
17 يونيو 2016