صاح المدير في سكرتيره وكان دائم التوتر خاصة عندما تقترب نهاية الشهر أو عندما تقترب مواعيد تسليم التقارير، دخل السكرتير، صرخ فيه: اتصلت بهاتف مكتبك ولم ترد؟ قال: كنت في المكتب المجاور، آسف. رد المدير باستياء وتأفف: كل مرة آسف، آسف، متى تتعلم، خذ هذه الأوراق وسلمها لرئيس قسم الصيانة وعد بسرعة.مضى السكرتير مستاءً وغاضباً من تهكم مديره وعصبيته التي لا تتوقف، وصل إلى مكتب رئيس قسم الصيانة وألقى الأوراق أمامه، قائلاً: لا تؤخرها المدير يريدها قبل ظهر اليوم.تضايق الرجل من أسلوب السكرتير الفظ والخشن، ورد عليه قائلا: حسناً، ضعها بأسلوب مناسب يا أخي. غضب السكرتير وقال له: قم بعملك في الوقت المناسب ثم تكلم عن المناسب وغير المناسب، خلصها قبل الظهر. تشاجرا حتى ارتفعت أصواتهما وهدد كل منهما الآخر بالشكوى.بعد ساعتين أقبل أحد الموظفين الصغار في الصيانة إلى رئيس القسم وقال له: بعد إذنكم أنا ذاهب لآخذ أولادي من المدرسة وأعود. صرخ الرئيس قائلاً: أنت كل يوم تخرج، متى تتعلمون المسؤولية والالتزام؟ قال الموظف: هذا حالي منذ سنوات، وهذه أول مرة تعترض علي! رد عليه رئيس الصيانة: عد إلى مكتبك.. إذا كان حبيبك عسل (.....).مضى الموظف إلى مكتبه وهو متضايق، ويقول في نفسه، ماذا أفعل من سيأخذ الأولاد من الشارع الآن إلى البيت؟! وبدأ يجري اتصالاته دون جدوى حتى طال وقوفهم في الشمس، وفي نهاية الأمر تولى أحد المدرسين توصيلهم. عاد الموظف إلى بيته مستاءً وغاضباً، دخل المنزل وهو ينادي بأعلى صوته، أين الغداء، لم ترد الزوجة فذهب إليها في المطبخ ليخاطبها بحدة: أنت ألم تسمعيني. حينها أقبل إليه ولده الصغير ومعه لعبة، قال لأبيه: بابا.. المدرس أعطاني هذه لأنني (....).صاح فيه الأب: أنا فاضيلك، ودفعه بيده. اقترب الطفل من أمه باكياً، بينما أقبلت إليه قطته الجميلة تتمسح به كالعادة، ركلها الطفل بقدمه.غضبت الأم من تصرف طفلها والأب وهمت بالرد على تصرف الأب ومعاقبة الطفل ولكنها فعلت شيئاً آخر.في صباح اليوم التالي دخل الرجل إلى مكتبه مبتسماً وتوجه إلى رئيسه – رئيس قسم الصيانة – لم تمض سوى ساعة وكان الرئيس يدخل مع السكرتير على المدير.مع منتصف النهار استدعي الموظف إلى مكتب المدير ليدخل عليهم وهم في غمرة نقاش جدي وهادئ بعد ساعة خرج الثلاثة السكرتير والرئيس والموظف من مكتب المدير مبتسمين.ماذا فعلت الزوجة؟ وهو نفس ما كان يجب أن يقوم فيه المدير؟إن أدمغتنا معدة سلفاً لترجيح كفه المشاعر، وشخصيتنا مهيئة للانتقال فوراً إلى ردود الفعل الفورية، تزداد الأمور توتراً وتتصاعد تحت ضغوط العمل اليومية، وتحديات الحياة اليومية، التي تواجهها مشاعرنا. ينقل الدماغ كل ما نراه ونسمعه ونتذوقه ونلمسه ونحسه على هيئة إشارات كهربائية، تنتقل الإشارات من خلية إلى أخرى، إلى أن تصل إلى وجهتها المحددة وهي الدماغ. تصل أول ما تصل إلى الجزء الأمامي من الدماغ، الذي يقع وراء الجبهة قبل أن تصل إلى مكان حدوث التفكير العقلي المنطقي، وهنا تكمن المشكلة فيما نواجهه من تحديات يومية وتفاعلنا معها. هنا يكمن التحدي، «الكاظمين الغيظ»، نحن نستطيع السيطره على مشاعرنا، وأن نتحكم في انتقالها إلى ردود فعل ونجعلها تأخذ المسار الآخر، تمر عبر جهاز التفكير المنطقي والعملي، لنتمكن من ذلك نحن نحتاج إلى الممارسة والتعرف على مشاعرنا بداية ثم إدراكها وإدراك المحيط لتنتهي بإدارة علاقاتنا مع المحيط بشكل حاذق وفعال، هذه المكونات أو المراحل الأربعة هي من يجعلنا من المحسنين «الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس»، بمفهومها الإنساني الشامل وتطبيقاته في الحياة والحرفية في الإدارة والقيادة.هذا ما فعلته الزوجة، لم تنجرف وراء مشاعر الاستياء، فهي تمكنت بحنكتها كزوجة من أن تعي ذاتها وتتعرف على ما يولده غضب زوجها في العمل من مشاعر سلبية لديها وتمكنت بإدراكها من القدرة على السيطرة عليها وعلى محيط زوجها وابنها وأن تدير علاقتها بهما بذكاء وتمكن. إن القدرة على إدراك وفهم مشاعرنا ومشاعر الآخرين ومن ثم الاعتماد على ذلك لإدارة سلوكنا وعلاقاتنا هو ما كان يجب أن يقوم به المدير، وهو المتعارف عليه الآن في الأعمال وفي الحياة ويطلق عليه مصطلح «الذكاء الوجداني»، وهو معروف لدينا منذ زمن بعيد جداً بالجهاد الأكبر، أو جهاد النفس في كل مناحي ومواقف الحياة، رمضان كريم والصوم فرصة للتأمل والسيطره على الذات أكثر.* استشاري تطوير أعمال وقدرات بشرية
Opinion
الذكاء الوجداني
18 يونيو 2016