الوجود الروسي في الشرق أدّى في السنوات الأخيرة إلى اهتمام دول عربية بدور موسكو، لم تكن في الماضي على علاقة معها. منها السعودية، ومصر ما بعد السادات، ودول الخليج عامة. سعت هذه الدول بوضوح إلى دعم روسي لها في الصراع القائم، أو على الأقل إلى حياد لا يؤذي. غير أن روسيا مندفعة علناً وبلا أي تردد أو مواربة في أمرين: الأول، المشاركة في الحرب العسكرية إلى جانب إيران، والثاني، الدعم الدبلوماسي لإسرائيل بشكل مكشوف لا سابقة له إطلاقًا، لعل أبرز صوره المذهلة، حكاية الدبابة السورية التي أهداها بوتين إلى نتنياهو خلال زيارته الرابعة إلى موسكو في عام.في ذروة العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، لا نذكر أن رئيس وزراء إسرائيل قام بزيارة واشنطن بهذا العدد أو الألفة. ما المطلوب؟ ليس أن نستنكر الغزل الثنائي بين أعداء الأمس، فقد قضينا العمر استنكاراً وشتائم لم يكلف أحد نفسه حتى الرد عليها. الأهم أن ندرس جدياً، لمرة، سياسة روسيا وأسبابها العميقة، وأن نفهم ما الذي يحمل بوتين على عقد اتفاق، أو «تنسيق»، مع إسرائيل، فيما هو يمسك القرار العسكري في سوريا.دعونا من قاعدة طرطوس ومياه المتوسط الدافئة وسائر البديهيات، التي تصلح لزمن بطرس الأكبر. ودعونا من حماية النظام السوري لأنه آخر حلفاء موسكو. ودعونا من الصراع الأمريكي - الروسي لأن الاجتماعات بينهما أكثر من لقاءات أي حلفاء أو أصدقاء أو أبناء عم.لا بد أن ثمة عوامل فيما ذكرنا. لكن ما الأسس التي تحرك السياسة الروسية وتنقلها من العداء المعلن لإسرائيل إلى أربعة لقاءات مع نتنياهو في السنة، واتفاق تنسيق، وهدايا من غنائم سوريا العسكرية، بحيث يتحول رمز العز إلى رمز الهوان على يد النصير الأكبر في حرب النظام؟كان الاتحاد السوفيتي أحجية لا نفهمها لألف سبب. أولاً طبيعته، وثانياً لغته، وثالثاً النفور من الإلحاد. ولا نزال لا نبذل أي جهد لفهم روسيا. يفهم المرء أن نهمل ذلك إذا كنا لا نريدها، أما أن نودها ولا نعرفها، فهذا خطأ استراتيجي سيء. لا بد من مراكز أبحاث ودراسات عميقة وجدية وغير كرنفالية، ليس بالسر عن الكرملين، بل بمعرفته. وليس مراكز تجسس رخيصة يشغلها مخبرون عقيمون، بل مراكز علمية حقيقية تنير لنا السبل الأفضل لإقامة علاقات دائمة ومتوازنة وسليمة مع دول بدأت حربها في سوريا بإطلاق الصواريخ من بحر قزوين، لكي تُفهم العالم أن طرطوس ليست هي المسألة.ماذا تريد روسيا؟ لماذا؟ هل هذه سياسة بوتين فقط أم سياسة الدولة؟ إلى أين سيؤدي تحالفها مع إسرائيل في نهاية الأمر؟ ما المفهوم الروسي لمستقبل المنطقة؟ كيف يفكر الروس؟ من فيهم يرسم الأفكار؟ نحن لا نعرف عن روسيا سوى أنها تهدي دبابة سوريا إلى نتنياهو. وهذا كثير.* نقلاً عن صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية