قمة الوضاعة، وأدنى درجات الانحطاط، هي تلك التي يتمثل بها «تجار الدين»، ومن يستغلون الدين والمذهب، ويعتبرونهما «مطية» يقفزون عليها، ومن خلالها يسيرون البشر، ويمتلكون نواصيهم وأقدارهم.ولأننا للأسف نعيش في مجتمعات طالما اعتبرت التفكر والتمعن في الدين «تابو» لا يجب الاقتراب منه، لأنك إذا اقتربت من الدين كثيراً وأخذت تتساءل في محاولة للمعرفة أكثر، فإنك ستصل لملامسة حافة «الإلحاد»، أو تبدأ أولى خطوات «الكفر»، فإننا نجد ظواهر هذا الانحطاط مستمرة.هذا «التابو» صنعه رجال الدين أنفسهم، ولأصحح الوصف وأقول، صنعه «تجار الدين»، لأن الفارق كبير جداً.فالأول، وأعني بهم فئة رجال الدين، أولئك الذين تراهم أصلاً زاهدين في الدنيا، لا ترى في كلامهم هوساً بمكاسب دنيوية، ولا رغبات سياسية أو اجتماعية، هدفهم «نشر الدين» و»نقل المعلومة» للناس، وتذكيرهم بمضامين الإسلام.لكن الفئة الثانية هي أبعد ما تكون عن الأولى، فهؤلاء «طلاب دنيا»، وإن ادعوا العكس. هؤلاء «طلاب الدينار»، وإن تظاهروا بالعكس واتهموا غيرهم بصفات هي أصلاً متأصلة فيهم. هؤلاء «طلاب سلطة ومنصب»، ولا يغرنكم لا المنبر ولا ادعاء الزهد والتواضع والعفاف، فكم رأينا شيوخ دين هم أشنع الناس ممارسات، أكثرهم جشعاً، أكثرهم نزوات، وأكثرهم راغبون في الدنيا، ساعون وراء السلطة والسيادة.هؤلاء هم الخطر الحقيقي على المجتمع وعلى الناس، وقبل كل ذلك، هم الخطر على الدين وعلى المذاهب.أتظنون أن الخلاف والشقاق الحاصل بين أبناء الدين الواحد من المذاهب المختلفة سببه «الرئيس» المذهب نفسه؟! أتظنون أن البعد الحاصل بين السنة والشيعة، سببه الفوارق في المذهبين؟! لا والله، إنما سببه من يرى في تقارب المسلمين معاً – وإن اختلفت مذاهبهم – كساداً لبضاعته التي يروجها باسم الدين، سببه من يعتلون المنابر وينفخون في «كير» الفرقة، ويضرمون ناراً انتهت منذ 14 قرناً، لكنّ انتهاءها يعني أن «التجار» من على المنابر لا يملكون شيئاً يقولونه، ولا أهدافاً يحققونها.الناس بطبيعة حالهم بسطاء، وهم على سجيتهم في مجتمعاتنا ميالون للتدين والالتزام، أقلها بالأركان الخمسة وعلى رأسها الصلاة، وعليه فإن من يغيب عقله، ويغلب «التبعية» المطلقة لرجال الدين، دون تفكر وتمعن وتدبر فيما يقولونه وفيما يوجهون له، فإنه إنما يسلم مصيره لشخص إن كان ذا أهواء وأهداف لا علاقة لها بالدين بل لها ارتباط بالدنيا، فإنما هو كشخص يقبل بأن تتم قيادته من ناصيته كما تقاد البهائم.المولى عز وجل خلق لك عقلاً، وأعطاك إرادة، وكل ذلك من أجل أن تكون قادراً على اتخاذ قراراتك وتحديد مصيرك، لا من أجل التحول لتابع أو خادم، أو رقم من ضمن السواد الذي يتبع ولا يفكر ولا يسأل.ما ضيع الحضارات والبلدان إلا تلك الجموع التي غيبت عقولها، وركضت وراء رجال دين هم في الأساس «تجار دين»، فلا ظل لهؤلاء الناس لا بلد، ولا اقتصاد، ولا حياة هانئة، ولا حتى محبة جيران، بل الخير كله يذهب لمن يتاجر بالدين، والناس عليهم «السمع والطاعة» لمعتلي المنبر الخاطب فيهم، وكل ذلك باسم الدين.أكتب ذلك وأنا مستغرب للدرجة التي وصلنا لها بسبب «المتاجرة بالدين»، إذ يبدو بأننا سنعيش في المستقبل القريب حالة تشابه ما حصل لأهل قريش من بعد سيدنا إبراهيم عليه السلام، حينما نسوا الله، وأبدلوه بشخصيات في المجتمع، بعضهم رجال أتقياء، وبعضهم رجال دين، إلى درجة الوصول لتصويرهم وتمثيل كتماثيل، وسرعان ما تم نسيان الله خالق كل شيء، والتحول لتقديس هؤلاء البشر.وعليه أقول، أيعقل بأن نصل في مجتمع إسلامي لمستوى نحدد فيه إقامتنا الصلاة التي هي عماد الدين، والتي هي المحدد الرئيس للإيمان أو الكفر، كما قال رسولنا صلوات الله عليه: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر»، أيعقل أن تصدر دعوات لتعطيل الصلاة لأجل فلان أو علان من البشر الفانين؟!والله أستغرب، هل تعبدون الله، أم تقدسون البشر، بغض النظر أكان رجل دين أو غيره؟!والله حتى رجال الدين الأتقياء الأنقياء الذين همهم الدنيا، ومن أعمالهم لا ترى إلا الصالح والطيب، حتى هؤلاء لا يجوز تقديسهم وإشراكهم مع الله، ولا يجوز تعطيل الدين لأجلهم، فما بالكم بتعطيل الصلاة؟!والله تنزه رسولنا الكريم عن وصف وتشبيه من أعنيه به، لكنَّ سيدنا أمير المؤمنين الصحابي الجليل خليل الرسول وخليفته، أبا بكر الصديق قال بعد وفاة خاتم الأنبياء والمرسلين، لمن ظن من العرب أن الإسلام انتهى بموت رسولنا، بأنه «من كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت».بالتالي تصلون لمن، لله أم لفلان وعلان؟!