شهد العالم تطورات نوعية على مستوى مفهوم الدبلوماسية، وخاصة بعد الأحداث الأخيرة التي مرت على بعض العواصم العالمية، والتي أسفرت عن حوادث إرهابية متعددة.وبالتالي أصبحت للجولات الدبلوماسية أهمية كبيرة في توحيد الرؤى والمواقف الدولية لتلك الأحداث، ولكن بالرجوع إلى مصطلح الدبلوماسية فيعرفها المؤرخ والمفكر السياسي الفلسطيني الدكتور عبدالوهاب الكيالي في كتابه الموسوعة الدبلوماسية على أنها «مشتقة من كلمة يونانية بمعنى «طوى» للدلالة على الوثائق المطوية والأوراق الرسمية الصادرة عن الملوك والأمراء، ثم تطور معناها لتشمل الوثائق التي تتضمن نصوص الاتفاقات والمعاهدات، أما في معناها العام الحديث فيمكن تعريفها على أنها مجموعة المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسين، بهدف خدمة المصالح العليا «الأمنية والاقتصادية» والسياسات العامة وللتوفيق بين مصالح الدول بواسطة الاتصال والتبادل وإجراء المفاوضات السياسية وعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية».إلا أن هذا المفهوم بدأت تتغير ملامحه بسبب بعض تصرفات الدول العظمى، وبات مفهوم الدبلوماسية يقوم على التآمر على الدول الأخرى، التي تتعارض مع مصالح الجانبين أو أكثر من جانب، وخاصة للدول التي لديها النفوذ القوي بالعالم، إلى أن أصبحت تمارس بطريقة بعيدة عن مفهوم الإنسانية.ومن الأمثلة التي يجب أن نستعرضها هو الحديث عن الدبلوماسية التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة، ففي الوقت الذي يقوم به التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن «إعادة الأمل» بقيادة المملكة العربية السعودية، بمهام الدفاع عن الشرعية في اليمن، تتفاجأ الشعوب العربية بقرار الأمم المتحدة بزج التحالف ضمن القائمة السوداء كباقي الكيانات الإرهابية، ثم التراجع عنه، وسط صمت أمريكي لا مثيل له، مع العلم أن الرئيس الأمريكي باراك اوباما ووزير خارجيته جون كيري عقدا القمة الخليجية الأمريكية في الرياض قبل فترة بسيطة من هذا القرار من أجل تعزيز التعاون والتنسيق بين الجانبين، إلا أن دبلوماسية القمة والتي تجمع بين قادة الدول لم تسلم من تلك المساعي الأمريكية في خلق الفوضى بالمنطقة بشكل غير مباشر عبر الذراع الأممي.كما أن العملية الدبلوماسية التي تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط أصبحت اليوم مختلفة عن الماضي، بسبب أن الأهداف التي تسعى إليها في المنطقة والمصالح تغيرت، إلى أن أصبحت هذه الدبلوماسية قبل أن تقوم بعملها، فهي تتبعها مجموعة من عمليات الضغط على الدول كاستخدام العصابات الدولية والأطراف الإرهابية مدفوعة الأجر لخلق عدم الاستقرار بالمنطقة لإضعافها وضرب اقتصادها وإخضاعها للأوامر السيادية في واشنطن، خاصة أن السياسة الخارجية الأمريكية ومن يديرها تقوم على هدفين أساسيين، وهما بقاء إسرائيل بالمنطقة، وجعلها قوة لا يستهان بها، وتحقيق استمرارية الهيمنة الأمريكية على جميع مفاصل العالم، كما تحرص هذه السياسة على أن تكون دول العالم تابعة لها، وليست تابعة للمعسكر الشرقي، إلا أن أمريكا تنازلت عن ذلك في المشهد السوري كون أن روسيا تضامنت معها في حماية إسرائيل عن طريق نظام بشار الأسد، مما يعني أن السياسة الخارجية الأمريكية قد نجحت نسبياً في الاحتفاظ بمصالحها في المنطقة وفي الوقت نفسه جعلت لها أذرع ليكون لها الأسبقية لجميع المفاوضات الدبلوماسية.وبالتالي فإن مفهوم الدبلوماسية بدأ يتغير بالتغيرات التي شهدتها المنطقة، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية ككيان قد اخترع لنا دبلوماسية جديدة في الساحة العالمية، وهي «دبلوماسية الأفاعي»، حيث إنها تنتهج سياسة الأفعى للهجوم على الفريسة وهي الدول التي لديها ثروات وتهدد المصالح الأمريكية، حيث تقوم فكرة هذه الدبلوماسية على الالتفاف على الدول بكافة الأساليب ومنها جعل الميليشيات الإرهابية والمعارضة غير الوطنية تقوم بخلق جميع أشكال الفوضى وعدم الاستقرار لتكون ورقة ضغط قبل المفاوضات المصيرية التي تحدد مسار العلاقات الدولية، وعليه فإن دبلوماسية الأفاعي هي دبلوماسية حديثة تنفذها أمريكا في منطقة الشرق الأوسط لاستمرار أهدافها ومصالحها، إلا أن تلك الدبلوماسية سيكون لها آثار مدمرة في حال استمرارها في الشارع العربي، وأن الحلول لوقفها يحتاج الى المزيد من صلابة المواقف العربية والخليجية للحد من تلك الأطماع التي جعلت بعض الدول العربية ساحات للمجازر البشرية التي راحت ضحيتها مدن بكاملها.