أعطت الحادثة الإرهابية التي قام بها فرد تابع لتنظيم الدولة «داعش» في ملهى في أورلاندو والتي أسفرت عن مقتل 49 شخصاً، ذخيرة للمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب لتدعيم سرديته المبنية على معاداة الإسلام. وفي حديثه الذي تلا الحادثة الإرهابية هاجم ترامب الرئيس الأمريكي باراك أوباما لعدم استعماله عبارة «الإسلام الراديكالي»، وبشكل مبطن وبكل وقاحة تجرأ على اتهام الرئيس الأمريكي بالتآمر مع الإرهابيين، وأصر على فكرته القائمة على منع المسلمين من دخول الأراضي الأمريكية في سبيل ضمان الأمن القومي. وقد علق أوباما الثلاثاء الماضي عقب اجتماعه مع مجلس الأمن القومي الذي أعطاه تقريراً عن التحقيق الذي أجري عقب حادثة أورلاندو على تصريحات ترامب قائلاً «إن منع المسلمين هي الطريقة الخاطئة لحماية أمريكا كما أن عبارة «الإسلام الراديكالي» التي يستعملها باستمرار ترامب -والتي رفض أوباما استعمالها- لا تؤدي إلا إلى التضليل السياسي». وتساءل أوباما «هل استعمال عبارة «الإسلام الراديكالي» سيجعل من «داعش» أقل إصراراً على قتل الأمريكيين؟! وهل استعمال هذه العبارة سيمكن أمريكا من حشد عدد أكبر في مواجهة الإرهاب؟!». وهنا يجب التمعن في جوهر ما قاله أوباما، فالسياسيون يستعملون العبارات الرنانة لتحقيق مكاسب سياسية، وأكثر العبارات صدى هي العبارات التي تؤدي إلى تخويف الناس دون أن يكون لها معنى حقيقي. وتساءل أوباما في رده على ترامب «هل استعمال عبارة «الإسلام الراديكالي» ستسهل على الأجهزة الأمنية عملها؟!». فالعاملون في القطاع الأمني يعرفون من المشتبه بهم مهما كانت تسميتهم. وما نراه اليوم هو أن ترامب يستعمل سردية «الإسلام الراديكالي» حتى يسوق نفسه كسياسي حريص على أمن الأمة الأمريكية. وتلك العبارات، الإرهاب والتطرف، والإسلام الراديكالي، وغيرها تستعمل بشكل اعتباطي من قبل ترامب وأمثاله دون أن يكون لها أي تفسير واضح متعارف عليه، والهدف منها هو تخويف الناس وإلهاب المشاعر وخلق عدو افتراضي وحشد الجماهير وراء سياسي يوهمهم أنه سيأتي بحلول وسيحميهم من تلك المخاطر المفترضة. وفي الحقيقة فإن ترامب بكلامه هذا فهو يضرب بعرض الحائط المبادئ التي أنشئت عليها أمريكا وهي حرية المعتقد. فمنذ تأسيسها شكلت الولايات المتحدة «ملاذاً» للفارين من الاضطهاد الديني، واليوم يطرح ترامب وبلا حياء سياسة قومية مبنية على التمييز الديني. ولذلك فتسييس الإرهاب الذي يستعمله ترامب ليس فقط له تأثير علينا كعرب وعلى الجالية العربية والمسلمة داخل أمريكا التي تعاني التمييز والعنصرية، فهو أيضاً يسيء إلى أمريكا نفسها وإلى الدستور الأمريكي وإلى المبادئ التي وضعها الآباء المؤسسون لأمريكا. فالسؤال اليوم هل سيعي الأمريكيون الخطر الذي يمثله ترامب على أمريكا قبل كل شيء، أم أن تصريحات ترامب هي بداية لتحول في المبادئ الأمريكية؟!