الرأي

استراحة في رمضان

رسائل حب



* ما أسرع انقضاء أيامك يا رمضان، وما أسرع مسير مركب الخير الذي لا بد وأن يحط رحاله في استراحة حياتية لا نعلم هل نعود إليها مجدداً أم لا.. بالفعل لم تعد الأيام كشاكلتها من أيام الطفولة والصفاء، والتي كنا فيها نقضي الأوقات الطوال تعباً من الصيام.. وكان لرمضان في نفوسنا الأثر الكبير بمعانيه وجلساته وإيمانياته وضحكاته وألعابه.. اليوم هو نفسه رمضان بأجوائه الروحانية.. ولكنه لا يمهلنا كثيراً حتى نستزيد من نفحاته ما يعيننا على تعب الحياة ومشاقها، وما يزيد من أجورنا للظفر بجنة عالية قطوفها دانية.. رمضان لم يعد تلك الصورة التي عشناها منذ الصغر.. فقد سرح الناس في حياتهم، وألهتم وسائل التواصل الاجتماعي عن التواصل مع غيرهم، وغاصوا في أعمال الحياة التي أخذت من وقتهم الكثير.. مهلاً رمضان فقلبي معك.. أعطني من زادك.. فزادي قليل.. أمهلني حتى أستزيد لأجدد حياتي وألبس ثوباً جديداً ألقى به ربي صافي النفس بميزان يشفع لي عند الملك الديان.
* سؤال يتبادر إلى ذهني في كل لحظة وفي كل موقف ومع انقضاء الأيام تلو الأيام من عمري.. يا ترى لماذا التقصير في جنب الله؟ ولماذا الفزع إلى المولى الحكيم في رمضان دون غيره؟ لماذا يستمر طوفان الحياة يأكل من حياتنا وأوقاتنا وأعمارنا؟ لماذا سنظل نتوارى وراء تلك الخيالات الفارغة، ونبتعد عن احتضان الحقيقة ومعالم العطاء والخير؟ لماذا نظل أضحوكة في أفواه من أعمتهم نفوسهم لرؤية الحق المستنير؟ لماذا سنكون تلك النفوس التي تصبح وتمسي دون أن ترضي بارئها، ودون أن تعتبر من أحوال الحياة، ودون أن تجدد معاني الخيرية في نفسها.. فلا هم لها إلا مشتهيات النفس ونظرات الجمال التافهة؟؟ لماذا ولماذا؟؟ هل لنا أن نسأل أنفسنا هذه التساؤلات في ظل حياة سريعة الانقضاء، وعمر قارب على الانقضاء والرحيل؟؟
* لم يعد الناس يتمتعون بتلك الأريحية الاجتماعية الجميلة التي تعلمناها من آبائنا وأجدادنا ومن تربيتنا في البيت العود وفي فرجان لول؟؟ لما يعد الناس يتمتعون بتلك الأصالة الاجتماعية التي تجعلهم القلب الحنون القريب للقريب والبعيد.. وتجعلهم النفس المشتاقة لكل خير.. هي الأريحية الاجتماعية التي كانت تجعل الجار يأمن بيته وماله وأهله.. لأن جاره هو الأمين على كل شيء.. الأريحية التي تجعل الناس تفتح قلوبها وأحاسيسها قبل بيوتها لكل «الفريج».. فكانت البيوت عامرة بالخير وعامرة بالأطفال الذين كانوا يترنمون فيها بأهازيج القرقاعون، وبترانيم العيد.. الأريحية التي جعلت الناس يعيشون عيشة هنيئة سعيدة قوامها الحب وترابها السكينة.. فكانوا يسيرون على خطى الخير وخطى النبوة في كل ملامح حياتهم، وإن كانت حياتهم بسيطة لأنهم لم يتعلموا.. ولكن «السنع» و»الأصالة» التي تربوا عليها جيلاً بعد جيل تجعلهم يبثون أزاهير الحب في كل موقع من مواقع حياتهم.. فتراهم يلبون دعوة الأكارم «إذا دعيت فأجب»، وكانوا يحرصون على شكر الدعوات والاعتذار عن الظروف، وكانت قلوبهم «الميزان الحساس» الذي يجعلهم لا يكرهون ولا يحسدون ولا يبغضون، بل كان الصفاء كالماء الزلال السمة البارزة لهم في كل ظروف حياتهم.. لأنهم رضوا ببساطة العيش، وتذكروا أن «الأصالة» إنما هي أخلاق رفيعة نتمثل بها في كل شؤوننا الحياتية.. هي الأصالة التي لم تعد موجودة بين ظهرانينا اليوم إلا من رحم الله، لأننا اشتغلنا بالعيش داخل تلك الواحة المغلقة من وسائل الاتصال، والتي جعلتنا نكتفي بقول «صباح الخير» و»رمضان مبارك».. و»أحبك في الله».. دون أن نبذل عناء العناق الجسدي الجميل.. إنها الأصالة والحب التي افتقدناها.. ومن الجميل أن نتغنى بها في كل مراحل حياتنا.. حتى نعيش في أجواء الحياة البهيجة.
* أفضل أسلوب تتبعه بأن تكون تلك الواحة الرحيبة «الذهبية» لكل الأحباب.. وأفضل حياة تعيشها هي تلك التي «تطنش» فيها كل ضير يسكبه أمامك الغير.. إنك اليوم وقد مضى من عمرك ما مضى.. لم تعد أيامك كتلك التي مضت بذكرياتها.. ومن المستحيل أن ترجع الماضي الجميل بذكرياته.. ومن الصعوبة بمكان أن ترضي كل البشر.. يكفي أن تكون أنت الواحة الوارفة التي يستظل تحتها الناس.. ويكفي أن تكون محفل التجارب التي جعلتك الميدان الخصب للعطاء.. يكفي أن تعلم أن هناك من البشر من لا يستحقون أن تضعهم في قائمتك.. لأنهم لم يقدروا محبتك حتى اللحظة.. فيكفيك فخراً أن يظل قلبك «المعدن الأصيل» الذي لا يتغير.. حتى وإن أزلتهم من قائمتك.. فقائمة المحبين تطول.. يكفيك أن تحظى بدعواتهم الخالصة ومحبتهم ووفائهم وتواصلهم.. يكفيك فخراً أن تكون تحت مظلة الخير تبتغي الأجر في كل شؤون حياتك.. فلا هم لك بفلان أو غيره.. بل همك أن يرضى الله سبحانه وتعالى عنك، وتكون أنت سبب الخير والنجاح والهداية في حياة الآخرين، وبصمة العطاء التي لا تنتهي مهما مضى العمر..
* سانحة:
بصمتى هي الأثر الجميل الذي لا أرضى أن أتخلى عنه أبداً ما حييت.. بصمتي هي عهد كتبته في فصول حياتي.. هي الفصول التي أسأل المولى الحكيم أن يتقبلها مني.