تركت الدولة البحرينية على مدى عقود طويلة فكرة بناء هوية وطنية للقوى السياسية المختلفة، كان التعويل فيها على أن البحرينيين سيتعايشون تلقائياً مع بعضهم بعضاً. وبعد أزمة الخمسينات الدامية والمرة تغيرت هذه الفكرة وصار لزاماً التحالف مع القوى السياسية لبناء الهوية الوطنية، وهو تحالف لم يكن حقيقة لتحقيق هذا الهدف، بل تركز على إحداث التوازن بين مكونات المجتمع. لم تتغير تلك النظرة، لكن ذروة تشويه الهوية البحرينية الوطنية هو العقد الأول من الإصلاح السياسي، رغم أن التوقعات كانت تشير إلى العكس. في هذا العقد اعتمدت الدولة على أن القوى السياسية كفيلة ببناء الهوية الوطنية الجامعة، لكن النتيجة كانت أن هذه القوى صنعت لنا مجموعة من الهويات الفرعية، فهناك الهوية السنية، والهوية الشيعية، والهويات المناطقية، إضافة إلى مستوى أصغر من الهويات الدقيقة. تعدد الهويات ليس مشكلة في مجتمع البحرين التعددي، لكن المشكلة أن تكون الهُويات الفرعية أقوى بكثير من الهوية الوطنية الجامعة. الدولة عملت على تحقيق التوزان في الهُويات من خلال البحث الدائم عن تيار أو تنظيم أو جماعة أو مجموعة يمكن التعويل عليها لبناء الهوية الوطنية. هذا ما حدث على مدى قرن تقريباً، فعندما يتم الحديث عن مصالح البحرين العليا، وهُويتها الوطنية، والحفاظ على مكتسباتها يجري البحث عن جهة أو تنظيم أو أشخاص أو تيار يمكن أن يقوموا بهذه المهمة. النتيجة دائماً كانت فاشلة، بالفعل فاشلة لأن كل المحاولات لبناء الهوية الوطنية خلال الفترة الماضية كانت فاشلة، فإذا تم الاعتماد على جمعية سياسية أو مؤسسات المجتمعات المدني فإنها سعت لتحقيق مصالحها قبل أي شيء. وإذا تولى رجال الدين المهمة نفسها، فإنهم سيصلون إلى اختزال الدين في أنفسهم ويتحولون تدريجياً إلى وكلاء دينيين في البلاد. أما إذا تم الاعتماد على التجار، فإنهم لن يلتفتوا لهذه المهمة، بل سينظرون إليها من منظور مادي بحت، لأن همهم الرئيس الكسب المادي. جربت الدولة البحرينية استراتيجية بناء الهوية الوطنية من خلال طرف ثانٍ، وكانت التجربة فاشلة. لذلك أعتقد أن الظروف باتت ملائمة لتغيير هذه الاستراتيجية، ومن المجدي تجربة استراتيجية مختلفة تعتمد على تحويل مهمة بناء الهوية إلى مسؤولية جماعية تشترك فيها كافة الأطراف، وأن تكون هناك قناعة بأن هذه المهمة لن تنتهي في أسبوعين أو سنتين، بل ستستغرق فترة لن تقل عن ربع قرن من الآن. والبدء فيها أفضل من التريث وعدم البدء، حتى لا تصعد الهويات الفرعية، وتصبح هي هوياتنا الأساسية، حينها سيتحول المجتمع من التعددية إلى الانقسام والتفكك.