عندما سئل أحد المعممين في برنامج بثته فضائية «العالم» الإيرانية على الهواء مباشرة الخميس الماضي عن أسباب اتخاذ «العلماء» قراراً بتعطيل صلاة الجماعة وصلاة الجمعة للأسبوع الثالث على التوالي زعم أن «الواجب» يحتم أن نلفت انتباه العالم إلى «أننا كشيعة لا نستطيع أن نمارس عقيدتنا في هذا البلد كما ينبغي»! وهو كلام يتضمن إلى جانب خطورته – كون القرار يعطل واجباً أهم هو الصلاة التي إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها - معلومات غير صحيحة على الإطلاق، فالشيعة كما السنة وكما كل المسلمين وكل المنتمين إلى الأديان السماوية ومختلف المذاهب يمارسون عقائدهم في البحرين بكل حرية، وتوفر لهم الحكومة كل ما يلزم من خدمات وما يضمن لهم أداء شعائرهم في أمن وأمان، وهذا أمر يعرفه العالم أجمع منذ سنين طويلة، وهو مدعاة لفخر كل بحريني وكل مقيم في البحرين. ليس صحيحاً أبداً ما ادعاه وزعمه ذلك الشخص لأن الواقع ينقضه، ولأن الجميع يرى ويلمس عكسه تماماً، وليس موفقاً أبداً قرار تعطيل الصلاة للتعبير عن موقف سياسي «ولفت انتباه العالم» إلى موضوع معين، فهذا خلط سافر بين الدين والسياسة وخطأ ما كان ينبغي من أولئك «العلماء» الوقوع فيه. الصلاة واجبة، ومن يعطلها يؤثم، بينما الهدف من تعطيلها في هذه الحالة سياسي ولا علاقة له أساساً بالصلاة. فهل يجوز مثلاً تعطيل الصوم في شهر رمضان تعبيراً عن الاحتجاج وتوصيل «المظلومية» للعالم؟ وهل قرار تعطيل صلاة «الجماعة والجمعة» سينسحب على صلاة العيد أيضاً؟ ما الفرق بين صلاة العيد وصلاة الجماعة وصلاة الجمعة؟ وما الفرق بين الصلاة والصوم؟ «لم يبق إلا من يخرج على الناس في البحرين بقرار يدعو إلى الإضراب عن الحج تضامناً مع عدم تمكن الحجاج الإيرانيين من أداء مناسك الحج هذا العام»! علماء الدين أدرى دونما شك بأمور الدين، ومن ينتقد قرارهم هذا مثلي لا يتدخل في أمور الدين التي بالتأكيد لا يفهمها كما يفهمها أولئك كونهم متخصصين، ولكن للمنطق حكماً أيضاً، فهل من المنطق تعطيل واجب أهم وهو الصلاة التي هي عمود الدين من أجل القيام بما يختلف في كونه واجباً؟ وهل من المنطق إقحام الدين عنوة في السياسة؟ وماذا يعني؟!دستور البحرين يؤكد على حرية المعتقد، والقانون ينظم كل ما يضمن للجميع ممارسة عقائدهم بالكيفية التي يحبون ويرضون. ليس هذا كلاماً ولكنه واقع وفعل، ولولا هذا لما شهدت البحرين طوال السنين الماضية مواكب العزاء في عاشوراء، ولما وفرت الدولة كل الظروف المعينة على القيام بهذه الشعائر وقدمت كل الخدمات اللازمة، ولولا هذا لما سمح للشيعة أن يقرروا ما إذا ثبت هلال رمضان والعيد أم لا وترك لهم قرار بداية الصوم ونهايته من دون أي تدخل من قبل الحكومة. كل المبررات التي ساقها ذلك المعمم في ذلك البرنامح، وكل المبررات التي ساقها آخرون مثله في برامج أخرى مماثلة وعبر فضائيات مثل تلك الفضائية «السوسة» لم تكن مقنعة ولا قيمة لها، وهي لا تعبر إلا عن قلة حيلة وليس الهدف منها سوى ليِّ عنق الحقيقة، بل ليّ عنق الدين. ما قاله ويقولونه ليس منطقيا أبداً، والواجب يحتم على «مراجع الشيعة» أن يمنعوهم من هذا الخلط السافر بين الدين والسياسة وإقحام الصلاة وسائر العبادات في أمور سياسية يمكن أن تتحقق أهدافها بعيداً عن كل هذا الخلط البائس، كما أن عليهم أن يحثوهم على قول كلمة الحق التي ليس منها الزعم بان تضييقاً يمارس ضد الشيعة.