ماكينة الإعلام لجماعة «الولي الفقيه» تعتمد كثيراً على بطء حراكنا وعلى الفراغ الذي نتركه نحن فتجري لتملأه كذباً وتلفيقاً وتزويراً.نتفهم كثيراً ونقدر الدوافع التي تصوغ سياسة وزارة الداخلية الإعلامية، وهي دوافع مشروعة تبنى على سياسة حذرة من أجلها تتحرى الوزارة الدقة التي تبحث عن المصداقية، فكل كلمة محسوبة عليها.لكن هذه السياسة لها آثار سلبية مع الأسف وتعد ثغرة أمنية تستغلها الجماعة أسوأ استغلال، فتلك الجماعة تعرف أن الرمح من أول ركزة فيما يتعلق بانتشار الرواية، الشاطر هو من يروي أولاً ويختار نسخته التي يريد أن ينشرها داخل وخارج البحرين، أما الروايات التي ستأتي بعدها لاحقاً، فهي إما مدافعة عن اتهامات الأولى أو مصححة لها ومشكوك فيها على أحسن الأحوال وتعد نسخة غير معتمدة في أغلب الأحوال.ولسنا بحاجة إلى التذكير بتبعات الكذب والتزوير حين ينتشر بين الناس ويشحن النفوس ويجيشها ليخلق لك مشكلة إلى جانب المشكلة الأساسية، وتحتاج تلك التبعات إلى معالجة بحد ذاتها إضافة إلى المشكلة الأساسية، وما أردت تجنبه في تأخيرك وحذرك بإعلان روايتك لم يتحقق، بل بالعكس أتى بنتيجة عكسية أردت تجنبها.تسارع وزارات الداخلية دائماً في الدقائق الأولى لشاشات التلفزيون لتحتل الموقع الأول للرواية الصحيحة لأي حادث إرهابي وقبل أن يتصرف أحد لاحتلال هذا الموقع بروايته هو ويوجه أصابع الاتهام بعيداً عنه، ولتترك بعدها مواقع الدفاع أو التصحيح للروايات الثانية أو الثالثة في الترتيب الزمني. النصف الساعة الأولى حاسمة جداً يترتب عليها المعالجة النفسية والاجتماعية والأمنية معاً لأي حادث، من يحتلها يقود الحراك فيما بعد، فإن كانت هناك معلومات ناقصة وغير متوفرة بإمكان الوزارة أن تحددها، وتذكر في روايتها أنها ستعلن عنها حين اكتمال التحقيقات، هذا يعتبر ألف باء في الإعلام الأمني. وزارة الداخلية لديها التلفزيون الرسمي لكنها لا تستفيد منه أبداً في حين أن بإمكانها من خلال شاشته احتلال المركز الأول في انتشار المعلومة الصحيحة، إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فالتلفزيون مشاهد من الغالبية العظمى إذا علم المشاهد أن شاشته دائماً ستنقل له خلال النصف الساعة الأولى صوتاً وصورة مكان الحدث.لم نفتح على قناة أخرى لنشاهد مراسلها في موقع الحدث البحريني؟ وتمتنع الداخلية عن نقله هي بروايتها وبمعلوماتها ومن شاشتها؟مملكة البحرين تعاني من التعامل مع جماعة إرهابية تبرر الوسيلة من أجل الهدف، فالكذب والتزوير والتلفيق والفبركة أمور مشروعة ومجازة بل ومعتمدة في ظل غياب المعلومة، فإن أضفنا إلى تلك الأدوات وجود بيئة معززة بأزمة ثقة وثقافة مظلومية واضطهاد، فإنه في الوقت الذي تتأخر فيه وزارة الداخلية عن إعلان الرواية الحقيقية لما حدث تقضي الوقت في مراجعة النص وتدقق في الكلمة بحثاً عن المصداقية، فإن تلك الجماعة الإرهابية تكون قد دخلت بتلك الأدوات تقتل القتيل وتمشي في جنازته باكية تلطم وتجيش النفوس بروايتها التي تبعد عنها الشبهات وتلقيها على خصومها، حتى إذا ما جهزت واستعدت الداخلية لإعلانها كانت الطيور قد طارت والرمح كان من أول ركزة.