صادفت قبل أيام الذكرى السادسة لرحيل المرجع الإسلامي السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله، إرثاً هائلاً من الكنز الفكري والمعرفي، كما لم يستطع أي أحدٍ حتى هذه اللحظة من أن يملأ الفراغ الهائل الذي تركه فضل الله في الأوساط العلمية بعد رحيله المؤلم، وذلك للخاصية التي يتمتع بها هذا المفكر الكبير وتفرده في تبني ملفات وقضايا إسلامية وفكرية وفلسفية وعقائدية جدلية لم يجرؤ أي فقيه من قبله ولا من بعده في أن يخوض في تفاصيلها وماهيتها، إضافة لتفنيدها وتفنيد الكثير من النظريات التي كانت لوقت قريب فقط تعتبر من المُسلَّمات التي لا يمكن مناقشتها فضلاً عن نقدها وتسفيهها، حتى استطاع الراحل الكبير من إسقاطها حجراً حجراً في المياه الراكدة لتستقر في الأسفل.في ذكرى رحيل العلامة فضل الله الذي يعتبر قامة إسلامية وحدوية لا يمكن لأي فقيه أن يسدّ مسده وملء الفراغ الهائل الذي تركه في الأوساط العلمية، فهذا الرجل المعتدل والمنفتح على كل شيء، لم يكن لديه سؤال ممنوع وليس لديه استفهام محرم، فكل شيء قابل للنقد والنقاش وخضوعه لمشرط الانتقاد العلمي والأدبي، ولهذا كانت السهام التي وجِّهت إلى السيد محمد حسين فضل الله كثيرة وغزيرة للغاية، وحين لم يستطع بعضهم مناقشة فكر هذا الرجل بالحجة والدليل، حاولوا النيل من شخصه وتاريخه وفكره ونضاله، وكان منارة لإحقاق الحق ونصرة لكل فكر محاصر تحت حجة القداسة.قبل رحيله وأثناء رحيله وبعد رحيله كذلك، لم تتوقف الخصومة الفاجرة ضد سماحته، ولم تبق تهمة كيدية قذرة إلا وألصقت بالسيد الراحل زوراً وبهتناً، لكن اليوم وبعد رحيله بستة أعوام ظل فكره هو المهيمن على كل مفاصل الحركة الثقافية الإسلامية المنفتحة على الإنسان والحياة، وبقى وحده الشامخ في زمن عزَّ فيه العظماء والمفكرون، ولهذا ظل هو في سجل الخالدين ومن ناوأهُ وعاداهُ قبع في القاع مع المنسيين. ما أحوج المسلمين اليوم إلى شخصية متوازنة وعاقلة وناضجة ومنفتحة على الآخر كالعلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله، هذا الرجل الذي لم يتقوقع داخل كهف المذاهب والطوائف فحلق عالياً بعيداً عن صراعات الأفراد والجماعات والتيارات والأحزاب إلى حيث الفضاءات التي احتضنت الإنسان بعيداً عن هويته ومذهبه وحتى دينه، فكان الإنسان الذي نذر حياته في سبيل تطوير الفكر الإسلامي وانتشاله من مخالب الخرافات والتخلف وأسوار الانحطاط، حتى وافاه الأجل المحتوم فمات جسداً وظل فكراً خالداً يرفل مع العظماء، وأصبح يطلق عليه بالظاهرة لأنه الرجل الذي أشغل العالم بوعيه وتفرده في الوقوف بكل جرأة ضد كل قوى الظلام.