لو كان لفرحة العيد مقياس يمكن أن يقاس به بعد صيام رمضان لاتخذنا من فرحة جنودنا البواسل مقياساً لفرحهم بعد الفطر، ففرحتهم لا يمكن أن توازي فرحتنا جميعاً، فالصائم يستقبل عيد الفطر بفرح وسعادة بعد أداء عبادة مهمة مثل فريضة الصيام التي ترتبط معها عبادات أخرى مثل الصلاة والقيام وقراءة القرآن والصدقة، وشتان بين أجر الصائم وهو يعمل تحت أشعة الشمس وبين الذي لا تراه أشعة الشمس أبداً، وأعتقد أن معظم الصائمين يقضون وقتهم في مكان بارد في جنة «المكيفات» سواء في البيت - جلوس ونيام - أو في مكان العمل، إلا جنودنا البواسل في أرض المعركة وجنودنا على الحدود ورجال الأمن المنتشرين في مناطق عدة متفرقة في البلاد، ليس في خاطرهم الاستمتاع بما نستمتع به - مثل المكيف مثلاً - فالجندي أو رجل الأمن في موقعهم الحساس صام شهره بثبات وعزيمة، برغم الجوع والعطش والترقب واليقظة بالساعات الطوال في جو يسوده الحر الشديد والشمس الحارقة، تاركاً وراءه أسرته وأهله وأماني حالمة بأن يجتمع مع عائلته حول مائدة الإفطار أو في صباح العيد، فأسرة الجندي تفتقد تواجد رب الأسرة، فهو بالنسبة لهم أهم عنصر لديهم وملهمهم في الحياة ومصدر قوتهم، وبرغم المشاق التي تعتري الجنود أثناء الصلاة وقراءة القرآن والنوم هناك في أرض المعركة، فإنهم لا يزالون مرابطين يحرسوننا ويحموننا من خطر العدو، وأحسب أن للجنود في أرض المعركة أجرين، أجر الصيام وأجر الدفاع عن الوطن وحماية كل من يعيش عليه. فاليقظة والحذر مطلوبان لصد العدو الذي يتربص وينتظر لحظة غفلة أو إخفاق، فمن الجنود البواسل من ترك ابنه وزوجته، ومنهم من ترك أبوين طاعنين في السن، ومنهم من ترك إخوة وأخوات يعيلهم. بينما ننام نحن على فراش مريح، عيون الجنود تراقب وتحرس لساعات طوال، وبينما نجتمع على مائدة الإفطار في رمضان ونأكل في العيد كل ما لذ وطاب ونتزاور مع الأهل والأصدقاء، لا تزال عيون الجنود تحرسنا وتراقب العدو. وبينما نستمتع في كل لحظة بالعيد، لا تزال عيون الجنود البواسل تصبح وتمسي وهي تراقب لا شيء غير الرمال والصخور والأسلحة والدبابات وقلوب ترتقب إحدى الحسنيين، تفرح الأمة بالعيد وعيون جنودنا البواسل حفظهم الله لا تزال تراقب. لا نملك غير الدعاء لهم، فالدعاء سلاح المؤمن المتيقن بأن بالدعاء تصنع العجائب وتفرج السرائر وبه ينتصر المؤمن على عدوه، فلله جنود السموات والارض يسخرها رب العباد للعباد في الشدة، فجنودنا البواسل بحاجة إلى الدعاء لينصرهم الله على العدو في كل مكان ويحرسهم بعينه التي لا تنام، حتى يرجعوا لأوطانهم منتصرين سعداء بلقاء أسرهم وأحبائهم. وبهذه المناسبة السعيدة - عيد الفطر المبارك - نرفع أسمى التهاني إلى جنودنا البواسل على صبرهم واحتسابهم الأجر في الدفاع عن وطننا الغالي، ونرفع أكفنا أيضاً بأن يحميهم وينصرهم وأن يرحم شهداءنا جميعاً في كل مكان، فأرواحهم لم تذهب سدى. فالدفاع عن الوطن وعن الأرض عقيدة ثابتة لدى المؤمن من أجل حياة أكثر استقراراً ومستقبل واعد للأجيال القادمة، حفظ الله جنودنا البواسل وقُرّتْ عيوننا برجوعهم سالمين منصورين بإذن الله.
Opinion
تفرح الأمة بالعيد وعيون جنودنا البواسل تراقب
07 يوليو 2016