كي لا ننسى، يجب أن نحفر في التاريخ وأن نعيد المشهد لكل الأجيال التي لم يتسنَ لها وعي الموقف ولم تدرك ذلك الحدث الذي هز العالم بأسره. الحدث الفارق الذي مازال محفوراً في ذاكرة العالمين. ها نحن الآن سنفتح شريط الحادثة بتفاصيلها كي لا ننسى.ولكي لا ننسى مرة أخرى، يقول التاريخ «وقعت حادثة استشهاد الصبي محمد الدرة في قطاع غزة في الثلاثين من سبتمبر عام 2000، في اليوم الثاني من انتفاضة الأقصى وسط احتجاجات امتدت على نطاق واسع في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية. والتقطت عدسة المصور الفرنسي «شارل إندرلان» مراسل قناة «فرنسا 2» مشهد احتماء جمال الدرة وولده محمد البالغ من العمر 12 عاماً، خلف برميل إسمنتي بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية. وعرضت هذه اللقطة التي استمرت لأكثر من دقيقة، مشهد احتماء الأب وابنه ببعضهما البعض، ونحيب الصبي، وإشارة الأب لمطلقي النيران بالتوقف، وسط إطلاق وابل من النار والغبار، وبعد ذلك ركود الصبي على ساقي أبيه. وبعد تسع وخمسين ثانية من البث المبدئي للمشهد في فرنسا، بتعليق صوتي من رئيس مكتب «فرنسا 2» بإسرائيل شارل إندرلان الذي لم يشاهد الحادث بنفسه ولكنه اطلع على كافة المعلومات المتعلقة به من المصور عبر الهاتف، أخبر إندرلان المشاهدين أن محمد الدرة ووالده كانا «هدف القوات الإسرائيلية من إطلاق النيران»، وأن الطفل قد قتل. وبعد التشييع في جنازة شعبية تخلع القلوب، مجّد العالم العربي والإسلامي محمد الدرة باعتباره شهيداً».كي لا ننسى، لم يعد محمد الدرة شهيداً عابراً للمكان والزمان، بل بات الشهيد الذاكرة، والشهيد المحفز لكل قوانين الجمود والنسيان للقضية المركزية الفلسطينية. ولكي لا ننسى، فدماء الدرة هي التي استعجلت الانتفاضة وأيقظت ملايين العرب الذين نسوا القدس في لحظة عابرة من الموت المؤقت، فجاءت دماؤه الطاهرة كصرخة مدوية في وجوه كل العرب لتقول لهم بأن فلسطين باقية وأن القدس والمسجد الأقصى وبقية المدن الفلسطينية المستباحة تحت مرمى العدوان الصهيوني، فهب العالم آنذاك بفضل دماء «الصبي المعجزة» ليكسروا حاجز الصمت والخوف ليعلنوا عن مرحلة جديدة من مراحل النضال ضد الكيان الغاصب. وحتى لا ننسى، شاءت الأقدار أن تكون صورة الشهيد تهشيماً للصورة المقابلة من خذلان أمة سريعاً ما تنسى، ولهذا يجب بين الفينة والفينة أن نضخ من دماء الدرة شرايين حياةٍ وكرامةٍ للعالم العربي كي يحفظ أهله قضيتهم ومصيرهم، فدماء الشهيد مازالت تغلي كلما جفت دماء العرب، لتقول للعالم بأسره إن فلسطين باقية وإن محمد الدرة لم ولن يموت، فهو في الخالدين.