بعد أن قدم لنا خريطته المثيرة للجدل «حدود الدم» في العام 2006، والتي رسم فيها الحدود الجديدة للشرق الأوسط تعود أطروحات الأمريكي رالف بيترز من جديد، لكن بندمه من فشل الانقلاب التركي الذي اعتبره آخر المحاولات للقضاء على أسلمة تركيا، وإيقاف وجود نظام سياسي إسلامي مجاور للحدود الأوروبية. لا أعتقد أن بيترز يعيش قلقاً على فشل الانقلاب، ويعيش مخاوف من وجود دولة يسيطر عليها الإسلاميون كما في أنقرة، بل ما يشغله هو فشل المخطط الذي رسمه قبل نحو عشر سنوات، ولم يتحقق حتى الآن. بالتأكيد هو مازال متفائلاً بإمكانية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد وفق أسس إثنو ـ طائفية ليختلف عما عرفناه منذ بداية القرن العشرين، ومنذ سايكس بيكو تحديداً، وليس معروفاً كم يحتاج الشرق الأوسط من الوقت والأرواح لتحقيق التصورات الغربية. الغرب مازال متمسكاً بأطروحات بيترز التي تعتمد بشكل رئيس على ضرورة تشكيل دول المنطقة وفق معايير إثنو ـ طائفية، وإعادة رسم التحالفات السياسية الإقليمية والدولية من أجل مصالحها. في مقابلة مهمة أجريت معه خلال مارس 2016، قال بيترز حول دوافعه لرسم الحدود الجديدة للشرق الأوسط: «كان أملي الوحيد أن أنبه مواطني الأمريكان حول عبثية الحرب على حماية الحدود غير العملية التي تمت صياغتها من قبل الدبلوماسيين الجبناء ولأسباب أنانية بحتة». يبدو المشهد واضحاً اليوم، فالمحاولات الغربية لإعادة رسم المنطقة ليست دقيقة بالشكل الذي تصوره بيترز أو حتى كوندوليزا رايس عندما دشنت فكرة الشرق الأوسط الجديد عقب أحداث سبتمبر 2001 بسنوات قليلة. هذه المشكلة ليست نابعة من سوء تخطيط بقدر ما هي قائمة بسبب سوء فهم للمنطقة، فالغرب الذي ركز في تحالفاته على الحكومات والنخب السياسية في دول الشرق الأوسط تجاهل كثيراً العامل الشعبي، ولم يفهمه جيداً، ففي البحرين مرّت فكرة «الأغلبية الشيعية والأقلية السنية» على الحكومات الغربية التي تستمتع بمثل هذا الطرح غير الدقيق، لكن النتيجة فشل محاولة تغيير النظام السياسي في البلاد، حيث رفض الشعب قبل الحكومة والأسرة المالكة تلك المحاولة. وشاهدنا سيناريو مماثلاً في تركيا قبل أيام انتهى لنتيجة مماثلة. لا نتوقع أن يتجاهل الغرب العامل الشعبي أكثر خلال الفترة المقبلة، فمحاولة رسم الشرق الأوسط لن تتوقف، ويمكن إجراء التعديلات في أي وقت على الخطط وتطويع الأجندات بما يتناسب مع الأوضاع والظروف. لذلك التحذير من ضرورة الحفاظ على الدعم الشعبي، وعلى العلاقات المستقرة بين الحاكم والمحكوم في الدول الخليجية والعربية.