كم نحن شعوب نساق كالقطعان، ومفتاحنا الذي يحركنا هو «العاطفة»، وهذا مفتاح يباع في الأسواق برخص التراب للواحد منه ألف نسخة، من يمتلك عاطفتنا يمتلك مصائرنا، فتخيلوا أن مصائرنا مفتوحة أمام من يملك مفاتيحها.. نحن أمة تباع «بيا بلاش»!!العقل يحتاج لمفاتيح صعبة معقدة الصنع، تروسها ملتفة تحتاج لمنطق تحتاج لقياس تحتاج لسؤال لاستفسار تحتاج لتمرير الكلمة وصورة عبر «فلاتر» حتى يفتح ويسمح لك العقل أن تمرر ما تريد تمريره، تلك هي مفاتيح العقل الغالية الثمينة، أما العاطفة فيكفي دغدغة أحد تروسها حتى تفتح لك الأذرع على مصراعيها.«قيادات» الجماعات -أي نوع من الجماعات- لديها من «المفاتيح العاطفية» لشعوبنا العربية آلاف النسخ، كلما استهلك واحد استخرجت ما يليه من جعبتها، فمفاتيح العاطفة أرخص المفاتيح وتباع بالجملة، ممكن صورة ممكن كلمة ممكن شائعة، كلها مفاتيح سهلة ورخيصة ومتوفرة ومع الأسف قادرة على أن تقود جماعات منا كالقطعان.حين قرأت بيان قيادات الولي الفقيه رأيت أحد المفاتيح العاطفية وهي كلمة «استهداف» أنها «الباس وورد» التي اعتادت أن تلقي بها القيادات على جماعتها لتلمس وتر الإرث التاريخي، وتكتفي القيادات أن يلمس مفتاحها هذا الترس لترتخي باقي التروس وتفتح وتقاد الجماعة خلفها كالقطعان.لكن مفتاح العقل يتطلب أن تمر كلمة «استهداف» على عدة أسئلة قبل أن يصدقها، تطلب أن يجيب على عدة أسئلة قبل أن يستجيب الإنسان لها، لماذا الشيعي الذي لم يخالف القانون أمن في بيته إذاً إن كان هناك استهداف «للشيعة»؟ لماذا هناك مساجد ومآتم أكثر من مساجد السنة إذا كان هناك استهداف للشيعة؟ كيف يكون الاستهداف في العقائد وأنا كشيعي أصلي وأمارس طقوسي وعقائدي بحرية؟ وغيرها من عشرات إن لم يكن مئات من أدوات العقل ومفاتيحه التي لو استخدمت لتغيرت النظرة عند من استجاب لمفتاح «الاستهداف» حين سمعها، إنه يعتمد على عقلية القطعان المغيبة و على مفاتيح العاطفة الرخيصة.وحال جماعة الولي الفقيه كحال جماعة الإخوان ليلة الانقلاب الفاشل في تركيا حين انقشع الغبار بعد أن نزل جميع الأتراك للشارع حماية لدستورهم بما فيهم خصوم أردوغان، الإخوان أرسلوا لهم على وسائل التواصل الاجتماعي كمية من «المفاتيح العاطفية» على شكل فيديوهات صورت أردوغان على شكل نبي تحفه الملائكة عن يمينه وعن يساره!! هذا يصوره وهو يبكي وهذا يصوره وهو يصلي وهذا يصوره وهو يدعي، المضحك أن جماعة الولي الفقيه وهي التي تنساق سوق القطيع وراء دغدغة العاطفة، تسخر من جماعة الإخوان الذين ينساقون هم الآخرون وراء «أردوغانهم»! قمة المأساة أن الاثنين يسخران من بعضهما والاثنان واقعان في ذات الفخ، الاثنان محركهما مفتاح عاطفي واحد لم يخضع لأي أداة من أدوات القياس العقلي وإلا كانت لهما صدمة!!. الإخوان لا يريدون أن يروا أردوغان وهو يطبع مع إسرائيل ولا يريدون أن يروا أردوغان يتعشى مع أحد المثليين ولا يريدون أن يروا أردوغان وهو يتصالح مع السيسي إن كانت مصلحة تركيا تقتضي ذلك وسيفعل وسيصالح الروس الذين يقصفون حلب، سيغمضون عيونهم عن تلك الصور لأن هذه الصور تتطلب مفتاحاً عقلانياً لتمريرها، رد فعلهم لحماية أنفسهم أنهم سيبحثون له عن أي مبرر فيضيفون على عقولهم قفلاً آخر. جماعة الولي الفقيه لا يريدون أن يروا الملايين المكدسة تحت أمر فقيههم وهم وشعبه فقراء، لا يريدون أن يروا مصالحته مع أمريكا لا يريدون أن يروا سوء معاملتهم وهم زوار له في إيران، لا يريدون أن يسمعوا عن سوء المعاملة التي يلقاها الشيعة من الأعراق غير الفارسية العرب والشيعة الأذربيجانيين في إيران، ولا يريدون أن يسمعوا عن قمع السنة في إيران، يفضلون أن يغلقوا عيونهم وآذانهم ويضيفوا قفلاً آخر على عقولهم حتى لا يصدموا ويكتشفوا أن عمرهم ذهب هدراً جرياً وراء بشر له مصالحه الخاصة واستغلهم أبشع استغلال.الاثنان «يكسرون الخاطر» يستحقان الشفقة، للاثنين حسن نية بحلم دغدغوا به عاطفتهما منذ نعومة أظفارهما، أراه في أطفالهم ومراهقيهم، يرون في المساس بالعلماء مساساً بهم! خوفاً على دكان المفاتيح العاطفية من أن يتعرض للسؤال وللتفتيش، صوروا للأطفال أن «النعيم» سيكون حين يتحقق حلم الخلافة أو حلم الإمامة، وفيه سيكون عيشهما لا عين رأيت و لا أذن سمعت، رغم أن الاثنين ينعمان في أمن وطن ترك لهما حرية ممارسة عقيدتهما دون مساس ولهما وظائفهما وتجارتهما، ولهما دخلهما ولهما كرامتهما ولهما حريتهما في التنقل، ومع ذلك الاثنان يحلمان بالشاطئ الآخر الذي يعتقدان أنه أكثر اخضراراً، بشر يعيشون في غيبوبة وهم أحياء.. اللهم يا واحد يا أحد اشفهم وعافهم مما ابتليتهم به، واجعلهم يردون لك وحدك بلا وسيط بلا فقيه وبلا خليفة!!
Opinion
بكلمة أو بصورة تساق القطعان
20 يوليو 2016