والله تستغرب من بعض الدول الغربية حينما تنسى أن أمورها الداخلية تحتاج لعمليات ضبط وعمل كثير، تنسى ذلك، وتظل تمارس دوراً «تنظيرياً» هو أصلاً محاولة للتدخل في شؤون الآخرين.الولايات المتحدة الأمريكية في صدارة هذه الجهات، في وقت يفترض بإدارتها أن تعمل بجهود متواصلة مستمرة لتعديل الوضع الداخلي، وإصلاح ما أفسدته سياسات أوباما في الداخل، سواء على صعيد الاقتصاد أو المستوى المعيشي للناس، والمصيبة الأخيرة التي بدأت تضرب بعض الولايات بصورة جعلت العنصرية ضد ذوي البشرة السمراء تبرز بشكل مقزز، تجد أمريكا مساحة من الوقت والتفكير لتتحدث عن البحرين وأوضاعها الداخلية. نعم، ندرك أن أمريكا دولة عظمى، وأنها قوة كبرى، لكن من قال بأن كل هذه المقومات في أي دولة تمنحها صك العمل بحرية في شؤون الآخرين والتدخل فيهم؟! من قال أصلاً بأننا في غابة يباح فيها للقوي بأن يستقوى على الدول الأصغر حجماً من ناحية البشر والموارد والقوة العسكرية؟!مشكلة الولايات المتحدة الأمريكية أن الفكر الاستعماري مازال يعشش في تركيبة قادتها، مازالت بدايات الدولة الأمريكية هي المحرك لهؤلاء، رغم تباين الأعراق وتنوع البشر، إلا أن هوس البدايات حينما تمت إبادة الهنود الحمر وهم السكان الأصليون للقارة الشمالية الأمريكية مازال موجوداً في تركيبة صناع السياسات هناك، وذلك وفق مبدأ «إن لم تستطع حكم الناس.. فلا تدعهم يحكمون أنفسهم». لهذا ونحن سكان البحرين المخلصون لبلادنا نستغرب حجم هذا الإصرار الغريب من الساسة الأمريكان على التدخل في شؤوننا، بل والوصول للتدخل في أمور هي من أساسيات سيادة الدولة، ومن صميم تطبيق القانون!الإيجابي يتمثل في البيان الصادر عن وزارة الخارجية البحرينية والذي فيه أوضحوا للأمريكان بأن ما يفعلونه تدخل صريح في شؤون البحرين، بل تطاول على حقها في تطبيق قوانينها، وأن ما يقومون به لا يفسر إلا بتقوية جهة من يصنعون الإرهاب الداخلي في بلادنا، بل من يحرضون ويجاهرون بمناهضة الدولة. لا أدري أي جزئية لا يفهمها الأمريكان هنا، البحرين دولة مستقلة لها سيادتها ولها نظامها ولها رموز حكم فيها، ولها شعب مخلص لا يحب تدخل الأجنبي في شؤونه، وللبحرين قانونها الذي يطبق على الجميع، ولا يحق لأي دولة التدخل في شؤون بلادنا في تطبيقها لقانونها، مثلما هي البحرين محترمة للآخرين في شؤونهم الداخلية ولا تتدخل في أمورهم الخاصة وتحترم قوانينهم.قضية عيسى قاسم والوفاق، لا يسمح للأمريكان أبداً أن يحرفوها عن مسارها الحقيقي، هنا لسنا نتحدث عن جمعيات وجهات تعمل في ظل القانون، أو جمعيات وطنية ولاؤها لبلادها وقيادتها، بقدر ما نتحدث عن جهات منحت مطلق الحرية في العمل السياسي، ومنحت مشروعاً إصلاحياً يقوده ملك البلاد لتعمل في إطاره بشرعية مطلقة، لكن مع ذلك وللأسف هي انحرفت عن هذا المسار الوطني، وقامت منذ تأسيسها بممارسات لا تصدر إلا عن جهات طامعة في البلد، ولها أجندات تستهدف الحكم، وفي النهاية قامت بتصدر محاولة انقلابية صريحة تمثلت شعاراتها بالموت لرموز النظام واستهداف المكونات الأخرى، باختصار قامت بمحاولة «احتلال للبلد»، وفوقها مارست دوراً «حاضناً» للإرهاب، مدافعاً عن الإرهابيين ومشوهاً لحقيقة الوضع في البحرين على المستوى الخارجي. وعليه فإن كانت الولايات المتحدة تريد أن تدين ما يحصل في البحرين، عليها أولاً أن تدين أفعال الإرهابيين فيها، عليها أن تدين استهداف وقتل رجال الشرطة، عليها أن تدين من يحرض على القانون، ومن يطالب أتباعه بمحاربة النظام. لكن طبعاً لن تسمعوا إدانة من الأمريكان، وكيف يدين المستثمر استثماراته أصلاً، ونحن هنا نعرف تماماً بأن من قوى الوفاق، ومنحها سعة الأفق بأنها قادرة على اختطاف البحرين، هي أمريكا بنفسها، من خلال حراك سفارتها وسفرائها، ومن خلال التقارب مع رموز التحريض والإرهاب في البحرين. لكم مثال صريح على ذلك اليوم، ها هي تركيا تطالب بتسليم أحد المعارضين الأتراك الذين يعيشون في الولايات المتحدة بتهمة ضلوعه في قيادة عملية الانقلاب الأخيرة الفاشلة، لكن الولايات المتحدة تأبى تسليمه، وأخذت تضع الشروط تلو الشروط، ولو كانت واشنطن صادقة في وقوفها مع الشرعية التركية ورفضها الانقلاب والإرهاب لسلمته، إذ ليس لها مصلحة في الأمر إذا افترضنا حسن النية. لكن لأن لها مصلحة في ذلك، ولها مصلحة في الفوضى الحاصلة في البحرين بنفس الآلية، هي لن يعجبها سيادة الدول لنفسها، ولن يعجبها تطبيق القانون على من تتقارب معهم، وستستميت لتعطيل القانون. لأمريكا نقول اهتموا بأموركم، ولا علاقة لكم بالبحرين، ففي بلادنا سيادة وقانون نطبقه، ولا ننتظر أمراً منكم ولا ضوءاً أخضر لفعل ذلك.