المعجبون بأردوغان كثر وصوره مع العلم التركي تتصدر الحسابات العربية، هؤلاء المعجبون ليسوا أعضاء في التنظيم الإخواني، إنما هؤلاء هم شريحة «الفانز» للنموذج التركي، ومثلهم «فانز» النموذج الإيراني شريحة كبيرة ليست حزبية ولا شأن لها بالتنظيم والحزب الإخواني أو الحزب الولائي، هم مجرد «معجبين» بالنموذجين إعجاباً يتحمس لأي نصر يحققه قائدا هذين الحزبين يرفعون أعلامهما ويضعون صورهما على حساباتهم هذا يفرح لانتصار قائد شيعي في مكان ما وذاك يفرح لانتصار زعيم سني في مكان ما، فرحاً يزايد به على صاحب الشأن نفسه! ولا يرون بأساً في هذه الحماسة وذلك الإعجاب مثلما أعجب كثيرون قبلهم بعبدالناصر ولم يكونوا في التنظيم القومي، وأعجب غيرهم قبل ذلك بصدام حسين ولم يكونوا بعثيين، وأعجب غيرهم بلينين وليسوا شيوعيين وبماو ولم يكونوا بماويين و.. و.. القائمة تطول، يظنون بحسن نية وطوية أن «الإعجاب» بالزعماء الأجانب لا يضر ولا يمس هويتهم أو انتماءهم أو حسهم الوطني!قبل الحديث عن الضرر نلفت الانتباه أن الجامع بين هؤلاء الزعماء ومعجبيهم وجود آلة إعلامية ضخمة لدى هؤلاء الزعماء تتجاوز هيمنتها على وسائل الإعلام التقليدية من صحف وتلفاز وإذاعة وتتسع لتحتل معظم إن لم يكن جميع المنابر الأخرى الدينية والسياسية والنقابية وأي منصة بها ميكروفون، ومؤخراً أضيف لها منصات التواصل الاجتماعي، وجميع تلك الوسائل تروس في آلة ضخمة مسخرة لصناعة القائد النجم، آلة تخاطب شعوبنا العربية العاطفية بلغتها وتعرف أنها شعوب سهلة الاندفاع وعلى استعداد للتطوع والانخراط في هذه الآلة تطوعاً دونما حاجة لتوجيه مباشر، هم يعيدون أصلاً الترددات التي تنتجها الآلة ويساعدون على إنتاج النجم بحماسهم ويوسعون دائرة تعظيمه وزيادة عدد «فانزاته» بل إن من صميم عمل تلك الآلة هو إيجاد جيش متحمس من «الفانز» للصورة التي تسوقها دون أن تلتقي الجموع بالقائد، وتلك صناعة معروفة لها أدواتها وصورها ومصطلحاتها ومفرداتها ومناسباتها وتوقيتها، صناعة تلتقطها العين الإعلامية مبكراً لها مجساتها ومراصدها، آلة تعرف كيف تصنع من هؤلاء الزعماء زعماء «أمة» لا زعماء محليين فحسب، فالخطاب ليس للداخل بل هو خطاب موجه للشعوب العربية كافة، وفقاً لأجناسهم وأعمارهم، خطاب له ناسه الذين يكتبونه ويلتقطون صوره بزوايا معينة ويضعون التعليق ويضمنون الخطاب مفردات لها صدى ولها أثر عند هذه الشعوب، فتنقاد لهم الجموع انقياد القطيع للمسلخ، إنما -و هنا مربط الفرس الذي يستهين «الفانز» بمخاطره- عاجلاً أم آجلاً ستتقاطع المصلحتان القطرية للجموع ومصلحة دولة هذا الزعيم، يوماً ما ستختلف المصلحتان وهنا يحدث الانقسام الذي نراه الآن في دولنا العربية، انقسام تهاون فيه جيش المعجبين حتى استفحل، بين «فانز» الزعيم الإيراني و«فانز» الزعيم التركي، وبين «فانز» الزعيم التركي وفانز الزعيم الخليجي أو المصري، انقسم المصريون على أنفسهم وانقسم الخليجيون على أنفسهم، انقسمنا بين مصر على التمسك بعلمنا وقائدنا ودستورنا فقط وبين مسوق لإمكانية حمل الرمانتين!!المشكلة أن جموع «الفانز» تستهين بأثر حماسها السلبي على حس المواطنة وعلى أمن الوطن وعلى الهوية برمتها، وتظن أنه حماس لن يضر، مبررة أن تلك الدولة وذلك الزعيم لم يضرنا في شيء فلم لا نفرح له ونبتهج لانتصاره؟!! وتنسى أن شهر العسل قد لا يطول وأن تضارب المصلحتين وارد بل وحتمي.إن ضرراً آخر لا يأتي في حسبان جيش «الفانز» على جموعها وعلى وطنها وعلى أجيال تتعلق بهذا الزعيم أو ذاك، وهو ضرر الصدمة النفسية والارتدادات والانتكاسات التي تصيب أجيالاً جرت وراء نجومية لزعماء انكشف لها حجمه الطبيعي بعد حين، وصدمت بالخديعة وظهور الحقائق، إنها انتكاسة أجيال لا تعرف الأمل إلا حبلاً معلقاً بصنم صنعته آلة إعلامية جعلت من الزعيم مخلصاً للأمة فإذا هو صرح من خيال فهوى.صناعة القائد «النجم» صناعة غير عربية لم تجدها عند أي زعيم عربي غير عبدالناصر، الوحيد الذي استطاعت آلته الإعلامية أن تتجاوز حدود جمهورية مصر العربية، وظل أثرها فاعلاً لسنوات حتى بعد وفاته، إلى أن صدئت تروسها وهرم «هيكلها» فظهرت الصور التي كانت تخفيها تلك الآلة فكانت صادمة لأجيال انكمشت وتقاعست.النكسة في صورة الزعيم البشرية كانت أشد وطأة من نكسة حزيران وكانت وبالاً على جيل تعلق بزعيم شبه مؤله صعق للصور التي ظهرت له من بعد وفاته قمع وقهر وتعذيب واغتصاب وتسلط فعاد عبدالناصر مجرد بشر له زلاته وله انتصاراته له إيجابياته وله سلبياته، وانزوى الناصريون والقوميون بموت قائدهم، وهكذا انتكس الشيوعيون العرب وتشتتوا من بعد موت للينين وماو وانحصروا في بيوت سياسية أشبه بدار يوكو، وهكذا سينظر لأردوغان ولخامنئي وخاتمي، إنما بعد خراب ألف بصرة وبصرة، وهكذا سينتكس جيل عربي ضاعت هويته متعلقاً بصنم أردوغاني تارة وخامنئي تارة أخرى، بعد أن انسلخ من جذوره وتعلقت آماله على أوهام الزعامة الأجنبية التي صنعتها آلتهم الإعلامية.. نحن شعوب نخلق الصنم لنعبده عبادة ليست بالضرورة تستدعي السجود والصلاة له، إنما يكفيها رفع صورته وعلمه والاقتتال مع مبغضيه والانشقاق عنهم.. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم!!كم هو عظيم حين يقف الشعب الإيراني والشعب التركي إجلالاً واحتراماً للعلم التركي والعلم الإيراني حتى وإن اختلف الواقف للعلم مع نظامه، كم هو جميل أن يتعلق الأتراك بقائدهم الوطني أو الإيرانيون بقائدهم الإيراني، فتلك قياداتهم الوطنية المحلية وهم شعوبها، إنما ما أقبح الصورة وما أقذعها لعربي يرفع العلم التركي أو العلم الإيراني أو يحتفل باليوم الوطني الأمريكي اعتقاداً منه أنه مجرد «معجب» لن يضير بإعجابه وطنه الأم!!