أكثر ما يؤكد لنا أن الربيع العربي المزعوم ما هو إلا نتاج حركة مخابراتية دولية لتدويل وتهويد الأراضي الفلسطينية كلها، هو انشغال غالبية الشعوب العربية بقضاياهم المشتعلة والعنيفة في معظم الدول وتصدير الحركات الإرهابية من طرف بعض الجماعات الإسلاموية المسلحة حتى ألْهَتْهُم عن قضيتهم الأم، ألا وهي القضية الفلسطينية، وها هو المحتل يوغل في اعتقال وتعنيف وقتل الإنسان الفلسطيني دون التفات العرب والمجتمع الدولي لما يجري في فلسطين، لأن كل الأنظار في العالم باتت مشدودة نحو الربيع العربي الذي صُنع من أجل أن يكون ملهاة عن قضايانا الرئيسة وعلى رأس تلكم القضايا «القضية الفلسطينية».ولأننا كذلك، بدأت تل أبيب في إعطاء الضوء الأخضر للمستوطنين لبناء مجموعات كبيرة من المستوطنات في كل الأراضي الفلسطينية والسماح للصهاينة ببناء مجمعات تجارية وزراعة الأرض التي اغتصبها المحتل، إضافة لاعتقال ومحاكمة وقتل مجموعة كبيرة من الفلسطينيين الذين لم ترصدهم كاميراتنا العربية بسبب توجهها للداخل العربي ورصد كل شيء في العالم ما عدا القدس المحتلة، هذه المدينة المنسية التي يتم استباحتها من قبل الجنود الإسرائيليين ومن طرف اليهود في كل جمعة من كل أسبوع بل وفي كل يوم.لا يمكن أن نصف صناعة الربيع العربي بهذا الشكل وفي هذا الاتجاه بأنها عملية بريئة من طرف صنَّاعه ومموليه ومن يقوم بالترويج له إعلامياً. نعم، هنالك بكل تأكيد حركات شعبية ذات مطالب مشروعة في بعض الدول العربية، لكن ليس لحد الإلهاء أو إلى حدِّ استخدام الإرهاب أو العنف للفت الأنظار إليها ولو عن طريق عمليات تخريبية قاسية قد تطيح بدول لها سيادتها واستقلالها من أجل تقسيمها في خطوة أولى، وللتفرغ لتفريغ وتهويد القدس في خطوة ثانية، ولربما نجحت الدوائر الاستخباراتية الغربية إلى حدٍّ بعيد في تحقيق الأهداف المرسومة من الربيع العربي، فها هي بعض الدول العربية باتت قريبة من التقسيم الحاد، بينما القضية الفلسطينية التي لا يمكن رؤيتها على خارطة المشاريع السياسية الحاضرة والمستقبلية فإنها تتعرض لعمليات سحق للهوية والذاكرة بشكل مرعب، ولو استمر الحال على ما هو عليه فإننا لن نجد إسم فلسطين خلال العقود القادمة وذلك لما تتعرض له من طمس شديد لمعالمها وتاريخها ونضالها وإنسانها وزيتونها وترابها وقداستها.إن ضياع القضية الفلسطينية في زحمة الربيع العربي يعني أننا تخلينا عن قضيتنا التي طالما حلمنا أن نكون معاها في السراء والضراء، كما أن تشتت أصواتنا وأنظارنا عن فلسطين جعلها لقمة سائغة للعدو في حين كانت يوماً من الأيام هي الحلم العالق في قلب وذاكرة الإنسان العربي، لكنها اللعبة السياسية القذرة التي ما زالت تستخدم فلسطين كورقة ضغط على الكثير من الملفات العربية من أجل نسيانها ومن أجل مستقبل بلا أرض، وهذه من أخطر المؤامرات التي تحاك في الظلام أيها العربُ ضد أشرف بقعة عربية من بقاعنا المنسية والمحتلة.