الرأي

افهم نفسك جيداً

رسائل حب






لم أشأ أن يمر علي يوم في مقامات الحياة دون أن يكون لي فيها وقفة أتأمل فيها حال نفسي، وأراجع فيها رسالتي، وأعود سريعاً إلى ما كنت أعشقه ومازلت في ميادين الحياة.. بعد فترة أتخيل نفسي.. بل أتخيلها الآن وأنا أكتب هذه السطور أن تكون هذه السطور هي الأخيرة في حياتي، لأني بعدها لا أضمن البقاء حتى أستزيد من الصالحات الباقيات.. هو كذلك أنا وأنت مهما كتبنا من فصول الحياة فلن نجرؤ أبداً أن نتفنن في صياغتها وإبراز ملامحها بصورة يفهمها الآخرون.. لأنك مهما كتبت ومهما شرحت ومهما نسجت من خيوط الحياة.. فإنك ستظل الوحيد القادر على فهم نفسك.. فأنت الأول قبل الآخرين.. أنت من يستطيع أن يسرد فصول حياته، ويكتب ومضات عمره، ويصيغ خبراته بأسلوب حياتي مبسط يكون له المرجع ولو بعد حين.. بل يظل منهج حياة تتدارسه الأجيال، وإن كان أسلوبه يحاكي النفس ويبرز معالمها، ويسرد نجاحاتها وقصصها ورسائلها مع الآخرين..
فما الفائدة من نفس لا تعي دورها الحقيقي في الحياة، ولا تفهم معاني السعادة والمحبة التي تتحدث عنها بين الفينة والأخرى..؟ وما الفائدة من نفس لا تربي نفسها على أنها سترحل لحظة ما عن تجاذبات هذه الدنيا، فلا ينفع حينها جدالها العقيم، ولا حديثها المجنون، ولا غيبتها للآخرين، ولا تسلطها وظلمها وقسوتها.. ولا فضولها الذي جعلها تتفنن في حسد ما عند الآخرين.. ما الفائدة عندما تحين ساعة الفتن والابتلاءات.. أو تقرع ساعة الرحيل.. ونفوسنا مازالت هي تلك العاشقة لحظوظها وقطف زهرة الحياة الدنيا.. ما الفائدة حينها عندما يسدل الستارة على حياة متشابكة متلاطمة الأمواج ظل صاحبها يجوب الطرقات من أجل أن ينهش من لحوم الآخرين، ومن أجل يتعالى صوته للحصول على حقوقه الدنيوية متناسياً تلك المنزلة الرفيعة في الجنان الخالدة..
إنها اللحظات الحاسمات التي ستكبل عندها أيادينا، ونتذوق فيها كؤوس الحسرات.. عن فرص ضاعت بين هذا وذاك.. وعن أعمار انقضت خالية من ذكر رب البريات.. يا الله ما أثقل تلك اللحظات على أنفسنا.. ما أثقلها لأننا لم نتذكر حمد الله وشكره في الرخاء.. لم نتذكر أن نجد في السير بحثاً عن لقمات منجيات من الفتن والابتلاءات.. سقم أو محن حياتية أو رحيل مفاجىء.. معها لا ينفع الندم.. هي كلها من صنيع أنفسنا المقصرة.. لا صنيع الآخرين.. فلا تتهم غيرك.. بل اتهم نفسك التي ظلت تسبح في بحور الغفلة اللاهيات.. يا ربنا أنقذنا من كل ضير وفتنة وسقم، وأحسن لنا ساعة الرحيل، واجبر خواطرنا بلباس الصحة والعافية، وبالتلذذ على أعتاب طاعتك، وأشغلنا في خير تكتب لنا به أجمل مراتب الأجور..
وعندما تقرر أن تفهم رسالتك جيداً، عليك أن تفهم كيف تعيد تعاملك مع الآخرين بعد كل منظومة تعمل فيها، أو كل ميدان يكتب لك أن تكون فيه عضواً فاعلاً.. عندما ترسل لك إشارات مؤثرات تنبهك إلى مقامك في الدنيا وحجمك بين الآخرين، وتعيد أمامك الرسائل التي افتقدتها يوماً ما من طريقك، ووجدتها وقرأت سطورها.. فاكتشفت أنك قد تأخرت كثيراً عن اللحاق بركب الناجحين.. بالفعل تحتاج أن تعيد حساباتك مع كل مجموعة ظننت يوماً أنك استطعت أن تطور كيانها، ولكنك اكتشفت أنها ظلت تراوح مكانها دون تقدم، بل وكانت وخزاتها لك مؤلمة جداً، فهي لم ترد لك الوفاء كما أردت، بل لم تقدم لك أبسط مبادئ المحبة المرجوة.. لذا عليك الحذر.. فلا تضع فيها كل الثقة.. لأنك لا تدري ما تخبئه لك الأيام، ولا تدري إن كانت لك مكانة تشفع لك عندها في المواقف التي تكتشف فيها معادن النفوس.. فعدل أسلوبك بما يضمن حفظ حقوقك، وإعطاء كل ذي حق حقه..
يقول الشيخ عائض القرني: «ليست السعادة شيكاً يصرف، ولا دابة تشترى، ولا وردة تشم، ولا براً يكال، ولا بزاً ينشر. السعادة سلوة خاطر بحق يحمله، وانشراح صدر لمبدأ يعيشه، وراحة قلب لخير يكتنفه. في الحديث الصحيح: «الإثم ما حاك في الصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس، والبر ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس». إن البر راحة للضمير، وسكون للنفس. فالمحسن صراحة يبقى في هدوء وسكينة، وإن المريب يتوجس من الأحداث والخطرات ومن الحركات والسكنات».
احذر أن تغرك نفسك في بعض الأحيان عندما يتجاهلك البعض ويبعدك عن طريقه حتى تصفو له الأجواء.. فحينها لا تحزن.. بل تعامل مع الموقف بإيجابية واحمد الله تعالى أن سخر لك مواقف من الحياة تخطط وتنفذ وترتب لها من أجل رسم البسمة على وجوه الآخرين.. وبخاصة أولئك الذين حرموا من أبسط مقومات الحياة وسعادتها.. تعامل مع الموقف بنظرات الأمل والسعادة وتذكر دائماً هذه المقولة: رضا الله تعالى أسمى من كل أنواع الرضا.. فأسعد نفسك وتفنن في تقديم الخير للآخرين..
ومضة أمل:
يا صاحبي الوفي.. لا تتركني وحيداً.. فحضنك الدافئ يدفعني لأن أقف مجددا لأنشر رسالة المحبة.. يا صاحبي خذ بيدي لميادين الخير.. وأشركني في دعائك.