انتهت أعمال الدورة الـ27 للقمة العربية والتي عقدت الأسبوع المنصرم في العاصمة الموريتانية نواكشوط 25-27 يوليو2016 وكسابقاتها من القمم العربية اختتمت أعمالها ببيان منمق متقن لغوياً إنشائياً كتبه مستشارون مرافقون للوفود بمعية القادة ووزراء الخارجية ومن تخصصات متعددة وعرض على القادة المهمومين بشؤون دولهم المضطربة فأومأوا برؤوسهم موافقين على نصوصه ثم تلاه أمينها العام وانفضت القمة وستحفظ البيانات والخطب الرنانة في أرشيف جامعة الدول العربية كما حفظت من قبل من البيانات والتوصيات والإدانات التي لم يفعل أو يرى أغلبها النور.ثم أقفل بعدها القادة أدراجهم إلى دولهم بنفس الحفاوة من الاستقبال وكرم الضيافة؛ وسوف لن يتحقق الكثير من توصياتها ومقرراتها مع الانعقاد الدوري في العام المقبل, وهي تدور ثابتة حول رحاها كما تدور النواعير في حماة حماها الله وهي اشد نفعا من تلك القمم فهي تسقي بدورانها الحرث والنسل ومنظرها وخرير الماء المنسكب من جرارها يشعرك بالسكينة والراحة على العكس من قممنا العربية التي تصدع الرؤوس ولاتسمن ولا تغني من جوع!!.هكذا فقد اعتاد المواطن العربي أن لا يستبشر من القمم العربية ومقرراتها خيراً والفرق بين قمة اليوم والقمم السابقة أنها فقدت متابعيها وبريقها فلم يعد يتابعها سوى فريق من الإعلاميين والصحافيين والمتكسبين وبعض الفضائيات الربحية أما الشارع العربي فقد عزف عنها بالمرة وهو غير مكترث بها وبمقرراتها تماماً.ومن قبيل الصدف فإنه قد تزامن موعد انعقادها مع مراجعتي لجامعة البحرين لمتابعة تقديم أوراق أحد أولادي لكلياتها فسألت العديد من الشباب المثقف والذين صادفتهم عن تلك القمة باستطلاع شخصي فضولي فأما إن كان جوابهم بالنفي أو الاستغراب أو التبسم ضاحكاً من قولي وتوديعي بإشفاق وحنان أي بمعنى أن الشعوب قد غادرت تلك القمم التي كان لها يوماً شيئاً من البريق والحضور ولهم الحق في عزوفهم عنها فالكثير من فئات المجتمع لديهم التحفظ بل التشاؤم من عمل ومخرجات تلك الجامعة وقممها فهي منذ تأسيسها في 22 مارس 1945 ولغاية اليوم لم تحسم أمراً واحداً ولم تقدم حلاً ولم تتابع جدياً أياً من توصياتها ولم تكلف نفسها لتقييم أعمالها ولم تنتقد أداءها وما رممت أبداً كيانها ولا أصلحت من شأنها.فهي لم تنقذ يوماً شعباً عربياً مهدداً أمنياً أو اقتصادياً ولم تسطع حل خصومة بين أي بلدين شقيقين وكل مقرراتها وبياناتها حبر على ورق وأشبه بمقال إنشائي إجباري لطلبة الوزاري محفوظ عن ظهر قلب.فتعالوا سادتي نستعرض إنجازات أو لنقل بصراحة إخفاقات جامعة الدول العربية وقممها ومنذ إنشائها:فمنذ انبثاقها ولغاية نشوب الحرب الإيرانية العراقية كان محور مداولات وقرارات القمم هي القضية الفلسطينية والإدانات وكلما اختتمت أعمال القمة زاد بعدها الكيان الصهيوني في تعنته وغيه وظلمه لأهلنا في القطاع وغزة وما يعانوه اليوم هنالك تتحمل الجامعة قسطاً كبيراً من وزره لتقاعسها عنهم منذ نشأتها.ثم أعقب ذلك دخول منطقة الخليج العربي في حربين ضروسين محورهما العراق بغباء أو توريط أكلت معهما الأخضر واليابس واستهلكت اقتصاديات العراق ودول الخليج وعجزت معها جميع القمم عن إدانة وردع وإيقاف إيران عن تصدير الثورة الخمينية المشؤومة وكذلك وقفت مكتوفة الأيدي وفشلت في إقناع المجتمع الدولي باحتواء العراق وتجنيب المنطقة ويلات الحروب وتداعياتها.أما موقفها من ما يسمى بثورات الربيع العربي والتي تبين لاحقاً أنها أكبر كذبة سوقها الغرب لخلخلة الدول العربية المستقرة فكذلك كان سلبياً وانطلت عليها وعلى الشعوب تلك الفرية. فانزلقت دولاً كانت مستقرة آمنة في أتون الحروب والفوضى تحت ذريعة تغيير النظام بآخر ديمقراطي فذاقت وبال أمرها وكانت عاقبة أمرها خسراً.أما أهم تحدي فشلت فيه الجامعة العربية وأيما فشل فهو وقوفها متفرجة وعدم التصدي وفضح النفوذ الإيراني الذي وصل إلى حد قياسي وتدخلها السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية دون رادع و تمادت وبسطت هيمنتها على أربع دول عربية وقد عجزت تلك الجامعة حتى عن إصدار بيان إدانة لصلفها وممارساتها الإرهابية فتقاعست عن التحرك الأممي بإدانة إيران وفضحها وتعرية سياستها. ومع موعد كل قمة جديدة تضاف لجدول أعمالها دولة عربية قد انسلخت من جسد الأمة العربية لتدخل تحت عباءة الولي الفقيه. فتضاف ضمن البيان الختامي بعد هوت من الهرم العربي الآيل للسقوط ليتحسر عليها الحضور ويطالبوا إيران شكلياً بالكف وعلى استحياء عن تدخلاتها!. فمن هي يا ترى الدولة التي سوف تلتهمها إيران ونتحسر عليها في القمة المقبلة؟.والأنكى من ذلك فإن لإيران الحضور القوي في كل قمة تعقد لتقف بالضد من أي قرار يدينها ومن خلال ممثلين لها من الدول التي تقع تحت هيمنتها كما حصل مع قمة نواكشوط حيث تبرع «إبراهيم الجعفري» والوفد المرافق له بأن يكون هو الممثل والناطق الرسمي لجمهورية إيران لا جمهورية العراق الذي ثبت علمه فوق منضدته زوراً!. ولو تم دعوة «جواد ظريف» بنفسه إلى تلك القمة وباقي القمم لكن أجدى وأنجع وأنفع ومن الممكن محاورته والاتفاق معه على أمور وحلحلة بعض منها لأنه صاحب حنكة سياسية وقرار أما الجعفري وغيره من الإمعات فهم صوت وجعجعة دون أي صلاحية وهم كالخمر مضرته أكبر من نفعه. ويفترض أن تكون الرئاسة في أي قمة مقبلة أكثر حزماً وصلابة وتبادر بإخراج أي وفد يتكلم باسم إيران وينافح عنها ويتحفظ عن أي حرف وكلمة وإدانة توجه لإيران ولي نعمته والمبادرة بقطع كلمته فوراً لا الاستماع له وتركه ينفذ سمومه ثم القيام والتصفيق له لأنها أولا وآخراً هي قمة عربية!!.الحديث يطول عن تاريخ جامعة الدول العربية وقممها العقيمة وإخفاقاتها وخلو تاريخها وسجلها من أي موقف إيجابي من قضايا الأمة العربية مما جعل الشعوب العربية تعزف عنها وهي اليوم في مفترق طريق فأما أن تعيد جدياً حساباتها وتعدل من سياساتها وتتفهم لتطلعات الشعوب العربية، أو لتترك وتغادر نهائياً الساحة معتذرة أولاً وتنهي موجوداتها وتفر على الشعوب الملايين التي تستهلكهاً سنوياً دون جدوى. فلقد عفى عليها وعلى سياستها العقيمة الزمن بعد أن تلبستنا الفوضى والمحن..