لا يوجد أجمل من الحسم للفصل في الأمور. وهنا أتحدث عن الحسم بعموم تصريفاته ومعانيه ومختلف مجالاته، لا الحسم فقط في القانون وما يمس أمن الدولة. ورغم أن الجوانب الأخيرة مهمة، وهي الأساس لقيام أي مجتمع، فلا دولة تقوم لها قائمة بلا أمن، وها هي العراق أبلغ مثال، لكن سيادة مفهوم الحسم وإضافة الحزم أيضاً عليه، لو تمت هذه السيادة في كل الأمور لما تراجعت هيبة أمم، ولا ضعفت اقتصادياتها أو أمنها أو عجلات التطوير والتنمية فيها. لو تحدثنا عن الحسم في شؤون الأمن، فإننا نتحدث بمطالبات أن يكون القانون سيد الموقف دائماً، والأهم أن تكون ترجمته فورية لا تعطيل فيها ولا مماطلة ولا تسويف، هناك قوانين وضوابط من يتجاوزها يعاقب، والعقاب معلن ومعروف ويأتي من ضمن إشاعة ثقافة فهم الأدوار الوطنية ما بين مفهومي الحقوق والواجبات. أي كمواطن من اللازم عليك أن تعرف واجباتك تجاه وطنك وأن تثبت التزامك بها، قبل أن تطالب بحقوقك. هنا يأتي الحسم في القانون تجاه من يخل بواجباته، ويتطاول على أعراف وطنه، ويرتكب المخالفات ويمتهن التحريض ضد الدولة ويمارس الإرهاب والتدمير، ويدعو الناس للتحرك وفق سياسة الانقلابات ورغبات الاستحواذ على مقدرات الحكم، مثل هؤلاء لا بد من حسم الأمور معهم بالقانون وبلا تردد وبلا تأخر، أكرر بلا تأخر، لأن المنطق يقول بأن التأخير في حسم الأمور هو أصلاً إخلال بالقانون وتعطيل للحقوق العامة والخاصة، لذا الحسم في الأمن تحقيقه واجب لا ترف. بعد هذه الأولوية، لا بد من الحسم في الأمر الآخر الذي تقوم عليه الدولة في حراكها العملي والتنموي، وهنا أتحدث عن الحسم الإداري الذي واجب على الدولة اتخاذه وتحقيقه في كل إخلال يحصل في عملياتها. كثير من الأمور والمشاكل تتفاقم وتتعقد وتسوء بل تمضي بنا تراكمات تداعياتها للوصول لدروب ملتوية وطرق وعرة ونهايات مسدودة، بل توصلنا للوقوع في أنفاق سحيقة مظلمة، بحيث لا يمكن معها أية محاولات ترقيع أو تصليح، لأنها تكون بعد فوات الأوان، فلا يفيد الشاة سلخها بعد ذبحها. لذلك الحسم الإداري أساس لعملية الإصلاح الإداري، إذ كم من قطاعات ساءت أمورها وتاه موظفوها، وعانت من التراجع والتخلف وتردي نتاج العمل، بسبب أن المسؤول الأول أو الجوقة المحيطة به المتحكمة إدارياً في المقدرات، قادت هذا القطاع للتراجع بصورة مخيفة، وللأسف لم يكن هناك حسم وتدخل سريع للتصحيح والضرب بقوة على يد المخطئ والمتمادي. طبعاً لو أردنا سرد أمثلة على حالات وجب فيها الحسم الإداري لطال بنا المقام، ولهالتنا قصص الأخطاء الإدارية والمعالجات غير الناجعة لأوضاع القطاعات وأساليب اتخاذ القرارات وفوقها حالات الفساد الإداري والمالي. حتى الحسم في الشؤون الاجتماعية والعلاقات المجتمعية والتربية الأسرية أساس لإصلاح المجتمع، بدءاً من الأسرة الصغيرة وصولاً لعموم المجتمع. أنت في تربيتك لأبنائك إن لم تكن حاسماً في مواقف معينة، وبحسم فيه حكمة وإدارة ذكية وتصحيح فوري يوقف الخطأ ويقطع دابره من فوره ويبدله بالإصلاح، فإن زمام الأمور ستنفلت من يدك لا محالة، ومع التراكمات يصبح طريق العودة مستحيلاً، والعكس إن كان الحسم حاضراً وفورياً فإنك تحقق الإصلاح بشكل فوري بل وتؤسس لممارسات هي الأصح والأنجع، وبالضرورة تكون نتائجها ذات فائدة جمة. لن أطيل أكثر لكنني أقول وبناء على المزاج العام الملاحظ لدى شرائح كبيرة في المجتمع، بالأخص من قبل المخلصين لهذه الأرض، يتضح بأن الحسم بات مطلباً شعبياً وطنياً، بات رغبة يلح الناس فيها على الدولة لاتخاذها بوتيرة متسارعة لا متباطئة، تحسم من خلالها ملفات الأمن والتصدي للتحريض والإرهاب، وتحرك ملفات الإصلاح الإداري وتحسين دوران عجلة البناء والتنمية بشكل احترافي ناجع، وأخيراً تسهم في إصلاح المجتمع وتأسيسه بشكل صحيح يجعله مجتمعاً صالحاً قوياً نابضاً لا يمكن كسره ولا إحباطه.