يطلب مقدم البرنامج التلفزيوني بالفضائيات «السوسة» من ضيفه التعليق على ما كتبه سين أو صاد من كتاب الأعمدة الصحافية في موضوع معين والذي تضمن رأياً مخالفاً لرأي «المعارضة» التي ينتمي إليها الضيف فلا يجد قولا غير إن هؤلاء «الموالين» تغدق عليهم السلطة الكثير من الأموال ليقولوا ما تريد منهم قوله، أي أنهم باعوا أنفسهم من أجل المال. المثير أن الكثيرين من هؤلاء يعتقدون أن كل من يكتب مقالا أو يصرح لأجهزة الإعلام أو ربما حتى ينشر تغريدة على حسابه بـ»التويتر» تصنف على أنها تصب في صالح الحكومة يحصل مقابلها في التو والحال على «همشة»، ولأنه يحرص على ألا يخسر تلك الأكياس المليئة بالنقود لذا فإنه يكتب كل ما يدعم رأي الحكومة ويفرحها حتى لو لم يكن مقتنعاً به!هذا هو للأسف مستوى الكثيرين ممن يعتبرون أنفسهم «معارضة»، ففي نظرهم أن كل من يختلف معهم في الرأي والموقف حاد عن الحق، ذلك لأنهم يعتقدون أن الحق معهم قاموا أو قعدوا، وأنه صف في خندق واحد مع السلطة، وبالتالي فهو موال وعميل وخائن ويعمل ضد الشعب وضد الحريات والديمقراطية وضد حقوق الإنسان وضد العدل، وكل ما يكتبه أو يقوله يعبر عن رأي السلطة ويعززه، ويتسلم مقابله الهدايا والعطايا الجزيلة. لو كان هذا الكلام صحيحاً فإن العديد من الكتاب – وأنا منهم – صاروا بعد العام الأول فقط من الأحداث التي «أذن ببدئها» من أصحاب الملايين ولما احتاجوا لمواصلة السير في هذا الدرب، ولكن لأن هذا غير صحيح على الإطلاق لذا فإن مقارنة أحوال هؤلاء مع أحوال من يعتبرون أنفسهم مظلومين تظهر بوضوح كم هم بائسون أولئك الذين اعتبروا أنفسهم في ثورة وصنفوا أنفسهم على أنهم معارضة وقالوا مثل ذلك الكلام الناقص.الرد لا يكون بالتشكيك في الذمم والنوايا ولا بتوجيه الاتهامات الفارغة والتي لا يقبلها العقل، الرد يكون على الأفكار والمعلومات والمواقف، ويكون بمقارعة الحجة بالحجة، وببيان مقدار الخطأ في الرأي، وبالتدليل على ذلك وبتوفير البراهين، فلو كان أولئك على حق فعلاً ويستندون إلى المنطق ويقولون الصدق لما احتاجوا إلى اللجوء إلى مثل ذلك القول المنم عن ضعف وقلة حيلة، ذلك أن توجيه مثل ذلك الاتهام أمر سهل ويسير وبإمكان الآخرين أيضاً أن يتهمونهم بمثله، بل أن توجيه الاتهامات من هذا القبيل لعناصر من «المعارضة» أمر منطقي جداً، فكيف مثلاً يغطون مصروفات مشاركاتهم في المؤتمرات الدولية التي تعقد في كل حين في دول يعاني الناس فيها من غلاء الأسعار بشكل فاحش؟ من أين لهم الأموال التي تغطي مصروفاتهم المتمثلة في تذاكر السفر بالطائرات والسكن في الفنادق والتنقل ومستلزمات المعيشة وغير ذلك؟ ومن أين لهم الأموال التي تعينهم على العيش في دول أوروبا وأمريكا وغيرها وينشئون الفضائيات ويتحملون نفقاتها غير القليلة؟ التشكيك في ذمة أولئك أسهل وأقرب إلى الواقع والمنطق لأنهم الأكثر حاجة إلى المال، والمنطق يدفع إلى التساؤل عن كيفية توفيرهم الأموال لتغطية كل المصروفات التي تستدعيها تلك الأنشطة بينما الواقع يؤكد أن أموراً كثيرة تم تنفيذها بتوفر الأموال من جهات بعينها وخصوصاً إيران التي اعترف مسئولوها والمحسوبون عليها ومنهم أمين عام «حزب الله» أنها وفرت وتوفر كل الاحتياجات المالية لـ»المقاومة»، والمحسوبين عليها بالطبع. الوقت الذي يضيعه أولئك في التشكيك في ذمم الكتاب وكل من يتخذ موقفا مدافعا عن الوطن ومنتصراً له يمكنهم الاستفادة منه في البحث عن ردود مقنعة على ما يطرحه أولئك الكتاب من موضوعات تبين مدى هزالة من اعتبروا أنفسهم «معارضة» وصدقوا أنهم كذلك.
Opinion
مثال الأقلام المأجورة
02 أغسطس 2016