المعلومة مصدر من مصادر التأثير، ومن يملك ا لمعلومة يملك القوة؛ لذلك تحولت العديد من مجالات المعرفة إلى إمبراطوريات اقتصادية لا يقل دخلها عن دخل بعض الدول. ومن إمبراطوريات الاقتصاد المعرفي شركات البريد الإلكتروني وشركات تخزين الكتب الإلكترونية وشركات التويتر والفيس بوك.. وغيرها. وقد شكلت وسائل التواصل الاجتماعي، «الإعلام الجديد»، حين اقتحامها للوطن العربي طفرة معرفية غير مسبوقة أوصلت الحدث للمواطن العربي حتى قبل وقوعه. كما حققت انفراجة كبيرة في تمكين المواطن العربي، أياً كانت إمكاناته أو تصنيفه، من التعبير عن رأيه دون قيد أو رقيب. تلك الميزات والامتيازات أضفت جاذبية كبيرة للإعلام الجديد ليستقطب قطاعاً واسعاً من المواطنين المثقفين والمهمشين وصغار السن والمغامرين أيضاً. وتاريخ وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمعات العربية، من حيث هو منبر لتعبير الفرد العربي عن ذاته، قصير وسريع. انساقت فيه من قضايا التعبير عن الرأي إلى الانجراف فوق موجة الاستهلاك، بوقوع كثير من الناس في أسر التعبير عن مقتنياتهم ورحلاتهم وأكلاتهم إلى حد وصولهم إلى تسليع ذواتهم وممارسة الدعاية التجارية المجانية. وانشغل جزء منهم، وخاصة المشاهير، بالإعلان عن نرجسياتهم وآرائهم غير المتزنة والإفراط في حب الكاميرا والشهرة لدرجة تحول البعض إلى ممثلين يؤدون أدواراً كوميدية أو تعبيرية لا علاقة لها بالتواصل الاجتماعي التفاعلي والسليم. بالتالي تفاقمت الفوضوية التي دخلت فيها وسائل التواصل الاجتماعي مما جعل الكثيرين ممن استمتعوا بها يهجرون أعماقها ويتوقفون عند ضفافها للاكتفاء بالتفرج والمتابعة. فقد امتلأت بيئة تلك الوسائل بالسطحيين والفارغين والشتامين والجواسيس وبما يشبه العصابات المنظمة لصنع التوجهات والتأثير على الآراء العامة وإرهاب كل من يخالفهم بسيل الشتائم والتشهير والتشكيك في النوايا والوطنية والالتزام بالدين بل والتشكيك في اللياقة الإنسانية!! وليس معياراً لفهم جاذبية وسائل التواصل الاجتماعي قياس أعداد روادها أو أعمارهم. وإن احتاج الأمر إلى دراسات إحصائية ومضمونية، لكن يمكن تحديد الفئات المنجذبة لقضاء وقت طويل في وسائل التواصل الاجتماعية وقياس درجة وعيهم وكيفية تعاملهم مع حساباتهم الإلكترونية. وتحول بعض الحسابات النشطة إلى ظواهر مؤقتة لا يلبث المتابع أن يسأم من متابعتها بعد إفلاسها وتكرارها لنفسها. من هنا يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعية بدأت تفقد جذبها لبعض الفئات التي كانت تمثل إضافات فكرية وثقافية متزنة ومؤثرة لصالح أعداد غفيرة من الذين يعانون السأم والفراغ.