على جهة الإدارة البدء في تنفيذ العقد بمجرد إبرامه، وهذا يعتبر من أهم المبادئ التي أرساها كل من مجلس الدولة الفرنسي والمصري. فيتوجب على جهة الإدارة، في سبيل ذلك، أن تمكن المتعاقد معها من البدء في تنفيذ الأعمال محل العقد، من خلال توفير كل ما يتعلق بتلك الأعمال من تصاريح وإجراءات وأعمال ضرورية للبدء في التنفيذ. وبموجب الالتزام المشار إليه فعلى جهة الإدارة أن تباشر بإصدار الأوامر المصلحية اللازمة للبدء في تنفيذ الأشغال، وتسليم مواقع العمل والرسومات وكل ما يتعلق بها، وفي حالة إخفاقها في ذلك فإنها تكون قد ارتكبت خطأً عقدياً من جانبها يعرضها للمسؤولية، ويحق للمقاول المطالبة بالتعويض في هذه الحالة.وأكدت المحكمة الإدارية العليا المصرية على ذلك الالتزام عندما ذهبت إلى القول بأنه «وبما أن العقد الذي تستند إليه المنازعة الحالية هو عقد أشغال عامة، ويولد هذا العقد في مواجهة جهة الإدارة التزامات عقدية أخصها: أن تمكن المتعاقد معها من البدء في تنفيذ العمل، ومن المضي في تنفيذه حتى يتم إنجازه، فإذا لم تقم بهذا الالتزام، فإن هذا يكون خطأً عقدياً من جانبها، يخول المدعي الحق في أن يطلب التعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء عدم قيام جهة الإدارة بتنفيذ التزامها، أو من جراء تأخرها في القيام به».وفي هذا الصدد تنص المادة «87» من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات البحريني الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 2002 على أنه «تبدأ المدة المحددة لتنفيذ عقود شراء السلع من اليوم التالي لإخطار المورد بخطاب الترسية، أو أي تاريخ آخر يحدده هذا الخطاب، إلا إذا اتفق على خلاف ذلك. ويكون إخطار الموردين في الخارج بأية وسيلة اتصال على أن تؤثر بخطاب لاحق، يتضمن السلع والكميات والفئات ومكان التسليم ومواعيد بدء التوريد وانتهائه».وتبدأ المدة المحددة لتنفيذ عقود الإنشاءات من التاريخ الذي يسلم فيه الموقع للمقاول خالياً من العوائق، إلا إذا اتفق على خلاف ذلك. وتبدأ المدة المحددة لتنفيذ عقود الخدمات من التاريخ الذي يحدده خطاب الترسية».ويقابل النص المذكور، نص المادة «74» من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات المصري الصادرة بقرار وزير المالية رقم «1367» لسنة 1998، وإن كانت هذه المادة الأخيرة قد استلزمت أن يكون تسليم الموقع بموجب محضر يوقع من الطرفين ومحرر من نسختين لكل منهما نسخة، وقررت أنه في حالة عدم حضور المقاول أو مندوبه لتسلم الموقع في التاريخ الذي تحدده له في أمر الإسناد، فيحرر محضر بذلك ويعتبر هذا التاريخ موعداً لبدء تنفيذ العمل.وعلى الرغم من أن كلا المادتين المشار إليهما أعلاه لم تتضمنا أي إجراء يوقع على الجهة الإدارية في حالة عدم تسليمها موقع العمل أو التأخير في قيامها بذلك، فإن المحكمة الإدارية العليا المصرية، أعطت المقاول الحق في طلب التعويض أو فسخ العقد بسبب عدم تسلمه الموقع لفترة طويلة تجاوز القدر المعقول، حيث قضت أنه « متى كان من الثابت أنه قد حيل بين المتعاقد والبدء في تنفيذ العملية بسبب تعرض رجال الإصلاح له، الأمر الذي ترتب عليه وقف تنفيذ هذه العملية لمدة جاوزت السنة بعد صدور أمر التشغيل، دون أن تقوم الهيئة المتعاقدة بتنفيذ التزامها بتسلم الطاعن مواقع العمل وتمكنه من البدء في التنفيذ، ومن ثم فإنه إذ لوحظ أن المدة التي حددت لتنفيذ العملية هي شهران فقط، فإن عدم قيام الهيئة المذكورة بتسليم موقع العمل إلى الطاعن طيلة عام بأكمله، مما يحق معه القول بأنها قد أخلت إخلالاً جسيماً بواجبها نحو الطاعن بعدم تمكينه من العمل، وأنها تأخرت عن تنفيذ التزامها هذا مدة كبيرة تجاوزت القدر المعقول، مما يقوم سبباً مبرراً لفسخ العقد المبرم بينهما وتعويض الطاعن عما أصابه من أضرار بسبب ذلك».وعليه فإنه يتوجب على جهة الإدارة تسليم مواقع العمل للمتعاقد خالية من العوائق في التاريخ المحدد لبدء الأعمال، وذلك وفقاً لما هو منصوص عليه في العقد. أما إذا لم ينص على ذلك في العقد، فعلى جهة الإدارة أن تقوم بذلك خلال مدة معقولة يتم تقديرها من قبل المحكمة المختصة إذا ما رفع النزاع إليها، وذلك وفقاً لظروف تنفيذ كل عقد على حدة.ويتمثل التزام الإدارة بتسليم الموقع محل التنفيذ في قيام الإدارة بالتسليم الفعلي والمادي للموقع للمتعاقد معها، ومن ناحية أخرى هو التزام قانوني يتمثل في تمكين المتعاقد مع الإدارة من تنفيذ التزاماته من الناحية القانونية، من خلال توفير التراخيص اللازمة للبدء في العمل، إضافة إلى كل المتطلبات الأخرى اللازمة للأعمال موضوع العقد. ولا شك أن اخفاق الإدارة بتسليم المتعاقد معها تصاريح البناء يشكل خطأً عقدياً يثير المسؤولية التعاقدية للإدارة إذا ترتب عليه ضرر. ذلك أن حصول المقاول على التراخيص والرسومات الهندسية النهائية المفصلة التي يتم تنفيذ العقد على أساسها يعد من الآليات الضرورية للبدء في تنفيذ الأعمال موضوع العقد، وبعدم تسليم المتعاقد التراخيص والرسومات لا يمكنه البدء في التنفيذ.وفي هذا الشأن؛ أعفت المحكمة الإدارية العليا المصرية المتعاقد من المسؤولية التعاقدية عن التأخير في تنفيذ تعاقده إذا كان سبب ذلك تأخر الإدارة في مده بالرسومات الهندسية النهائية التي سيقوم على أساسها بتنفيذ تعاقده. ذلك لأن الإدارة بسلوكها الخاطئ هي التي غلت يد المقاول من تنفيذ التزامه التعاقدي، وبالتالي فليس لها الحق في اعتباره مقصراً في الوفاء بذلك الالتزام.ومن ضمن التزام الإدارة بتسليم الموقع خالياً من العوائق للمتعاقد معها، يتعين عليها أيضاً ضمان استمرار قيام المتعاقد بتنفيذ التزاماته حتى تمامها. وما يتطلبه ذلك من منع تعرض الغير للمتعاقد أثناء تنفيذه لتعاقده سواء كان هذا التعرض قانونياً «مثل المنازعة في ملكية الأرض محل العقد»، أو كان هذا التعرض مادياً.
Opinion
التزام الإدارة بالبدء في تنفيذ العقد
07 أغسطس 2016