لا أحد أضر بالإخوة الشيعة مثلما أضرهم من تصدر الخطاب دفاعاً عنهم، في حين وفي مواقع عديدة نرى أن الذين شقوا طريقهم وحدهم بكفاءتهم وبإخلاصهم للعمل وصلوا ونالوا الاحترام والتقدير والمكافأة المادية والمعنوية دونما حاجة لبكائيات ولطميات المظلومية التي يستعين بها محاموهم من رجال دين أو سياسة أو إعلام، ودونما حاجة لمحامين يفسدون العلاقة بينهم وبين محيطهم، بالعكس فهذه الفئة التي تترحك وحدها بكفاءتها وبإخلاصها في عملها وولائها لبيئة عملها، تجد علاقتهم من أروع ما يكون مع زملائهم ومع رؤسائهم في العمل، وحتى تجد أن العلاقة سلسة حتى على المستوى الاجتماعي بينهم وبين جيرانهم في الحي، ما أفسد العلاقة إلا هؤلاء الذين تصدروا المشهد بدعوى الدفاع عن الطائفة.مسلسل المظلومية الذي لا ينتهي والمتعلق بخدمات الدولة، من بعثات وسكن وغيره، والذي يعاد رغم سماجته كلما حان وقت تقديم هذه الخدمات موسمياً أو سنوياً، يعتبر واحداً من حوائط العزل التي يبنيها هذا الخطاب بين «الطائفة» وبين الدولة، بين «الطائفة» وبين بقية شركائها في الدولة، فيعزلها بقصد أو بدون قصد يومياً عن محيطها الاجتماعي والسياسي، فلا هو بالذي ينصفها إن كانت بحاجة لإنصاف ولا هو الذي ساعدها على الانخراط والاندماج. مسلسل المظلومية جزء من خطاب لا يضع في اعتباره أبداً ثقافة التوازن بين الحقوق والوجبات والالتزامات تجاه الدولة، وجزء من خطاب يجعل من الدولة في نظر متلقي هذا الخطاب مجرد بقرة حلوب يؤخذ الحق منها فقط، لو قلب هذا الخطاب معادلته وركز جهده في مساعدة جماعته في الانخراط والانتماء والشراكة في الامتنان والشكر لأي حق يناله من الدولة أو أي خدمة ينالها الإنسان على أرض هذه الدولة لقدم خدمة جليلة لجماعته.لو أنه طالب بقية المنابر السياسية والدينية أن تقلب المعادلة وتطالب جماعتها بأن تتعاطى مع الشأن العام وهي عالمة أنها جزء من الدولة ومعها شركاء وأن تنظر للخدمات التي تنالها من الدولة نظرة فيها الوفاء والإخلاص والأخلاق والعرفان -وإن كانت حقاً من حقوقها- إلا أنه من الأخلاق أن يكون لها ممتناً، يبذل ما استطاع لرد الجميل لها -وإن كان ما قامت به الدولة واجباً-.فالإنسان يشكر من قام بواجبه تجاهه، حتى وإن كان من قدم له الخدمة يستلم راتباً على خدمته، إنك تشكر الطبيب الذي يحسن تعامله معك وتشكر المعلم الذي يحسن تعامله معك ويؤدي واجبه على أكمل وجه، تشكره رغم أن ما قدمه واجب عليه ويستلم راتباً عليه، لكن أخلاقك وتربيتك وحسن إيمانك تجعلك من الشاكرين، فكيف بوطنك ودولتك؟ بناء علاقة ودية بين الجماعات والدولة لو تحقق وأنجز لذابت جبال من الجليد بينهما، بين الجماعة وبين الدولة وحتى بين الجماعة وبين الشركاء في الوطن، تلك ثقافة تحتاج أن تغرس في البناء التربوي في المنزل وفي دور العبادة وفي الصحافة وفي الإعلام، تلك قيم لا بد أن تزرع وهي ثقافة لقيم لا تقلل من كرامة الإنسان ولا تمنع من كونه مدافعاً عن الحقوق أو طالباً لها أو ناشطاً سياسياً أو منخرطاً في الشأن العام أو إعلامياً، إنه نهج جديد لم يألفه أصحاب الخطاب من صحافيين وسياسيين ورجال دين، دأبوا على تبني خطاب المظلومية والتشكي والبكائيات وتعزيز ثقافة الشعور بالاضطهاد معتقدين أنه الخطاب الوحيد الممكن لنيل الحقوق.