يمثل العيد الوطني لأية دولة يوماً مهماً في تاريخها السياسي وفي الممارسات البروتوكولية والسياسية لسفاراتها في الخارج. ولا يمكن أن نغفل الممارسات السياسية لاستقلال أية دولة وهي أن يكون لها علم ونشيد وطني وسفارات في الخارج وقوة مسلحة تحمي الديار وشرطة تحمي مواطنيها وقضاء عادل يحقق العدالة. ونستذكر في هذه المناسبة علي سبيل المثال أن السفارة الأمريكية تحرص وتهتم بالاحتفال بيوم 4 يوليو الموافق لاستقلال الولايات المتحدة في عام 1776 كما تهتم فرنسا بعيدها الوطني يوم 14 يوليو الموافق لسقوط الباستيل السجن المعروف في غمار الثورة الفرنسية المشهورة. مصر جعلت عيدها الوطني يوم 23 يوليو المناسب لثورة الجيش المصري ضد الطغيان والحكم الفاسد المتهم بشراء أسلحة فاسدة آنذاك وسيطرة الإقطاع على مقدرات الدولة وسيطرة الأجانب على الاقتصاد المصري. ومن هنا ساند الشعب المصري تلك الحركة المباركة من جيشه والتي عبرت عن رؤية استراتيجية واضحة بإطلاق المبادئ الستة للثورة والتي تطورت بعد ذلك عبر ممارسات عديدة كان في أولها إطلاق برنامج الإصلاح الزراعي في أغسطس 1952 بتحديد ملكية الأراضي الزراعية باعتبار أن مصر في جذورها دولة اعتمدت علي الزراعة في حضارتها كما اعتمدت علي مياه النيل شريان الحياة وأحد المصادر المهمة لحضارتها. وبعد ذلك طورت ثورة 23 يوليو 1952 استراتيجيتها بتحرير مصر من القواعد البريطانية وتحقيق الجلاء وترك الحرية للشعب السوداني أن يقرر مصيره في استفتاء عام فاختار الاستقلال وأيدته مصر واعترفت به كدولة مستقلة بعد أن كان هناك رباط تاريخي بين الشعبين ومازال هذا الرباط يعتمد علي التعاون بين الشعبين والدولتين المستقلتين وليس كما فعلت الأنظمة السابقة على ثوره 23 يوليو 1952. باختصار انطلقت ثورة 23 يوليو 1952 في استراتيجيتها في مجال السياسة الخارجية في الدوائر الاستراتيجية الثلاث التي جاءت في كتاب فلسفة الثورة للزعيم جمال عبد الناصر ابن مصر البار الذي انطلق في تعزيز الارتباط المصري بالعالم العربي كأول دائرة للسياسة الخارجية المصرية ترتبط بمقومات الدولة من اللغة والتراث الثقافي والتاريخ المشترك في مقاومة الاستعمار. ونفس الشيء للدائرة الثانية في علاقات مصر الأفريقية عميقة الجذور والتي ترتبط بنهر النيل العظيم وبحضارة مصر العريقة بل إن بعض الكتابات المصرية القديمة تنسب الشعب المصري للعرق الحامي نسبة إلى حام ابن سيدنا آدم أي بالتراث العرقي الأفريقي وليس بالعرق السامي المرتبط بالعروبة والمشرق العربي. وفي تقديري أنه لا يمكن فصل العنصرين فهما متداخلان ومتجانسان في مصر مع الدائرة الثالثة للسياسة الخارجية المصرية وهي الدائرة الإسلامية. وكما قال المغفور له بإذن الله تعالي الشيخ محمد متولي الشعراوي إن مصر احتضنت العروبة والإسلام فتفوقت في فهمهما وإن الأزهر الشريف أصبح مركزاً لهما في إتقان اللغة العربية وتعليمها للدول العربية وغير العربية كما احتضن الاسلام المعتدل ونشره بين المناطق التي نبع منها ليس تفضلا علي أحد في العروبة او الاسلام وإنما هو تعبير عن حضارة مصر التي ارتبطت بشبه الجزيرة العربية قبل الاسلام وقبل ظهور مفهوم العروبة بالمعني السياسي الحديث. فمصر ارتبطت بالعروبة من ثلاثة مصادر هي: الهجرات عبر سيناء إلي الجزيرة العربية وعبر مضيق باب المندب في جنوب البحر الاحمر إلي و من الجزيرة العربية وأخيرا عبر رابط المصاهره التاريخية عندما تزوج سيدنا ابراهيم عليه السلام بهاجر السيدة المصرية التي أهداها حاكم مصر انذاك للنبي ابراهيم عندما جاء إلي مصر باحثا عن الطعام فاستضافته مصر كما استضافت أبناء يعقوب بعد ذلك وغيرهما من القبائل العربية. إنه ترابط تعزز في مرحلة لاحقة بوصية النبي محمد عليه الصلاة والسلام إذ روي عنه قوله « استوصوا بمصر وفي رواية بقبط مصر خيرا فان لي فيهم نسبا وصهرا». وكما هو معروف إن النبي تزوج من مارية القبطية وهي إحدى سيدتين أهداهما حاكم مصر لمبعوث النبي الذي جاء لمصر للتعريف بالإسلام ودعوة حاكمها لذلك الدين الجديد وهو ما لقي تقديرا من المقوقس حاكم مصر انذاك بإرسال هدية للنبي وهي أعز ما تملك مصر تنتمي للثروة البشرية المصرية أي القوة الناعمة المصرية وفقا لتقاليد ذلك الزمان.يتبع..
Opinion
تحية لمصر في عيدها الوطني(1-2)
11 أغسطس 2016