قارئ أرسل إلى رئيس التحرير رسالة ملخصها «قرأت في جريدة الوطن بتاريخ 3 أغسطس 2016 على الصفحة 21 مقال «السلوك المفقود» للكاتب فريد أحمد حسن عن النظافة سلوك لا يتوفر للأسف لدى الكثيرين، وبهذه المناسبة أرسل إليكم مقالاً عن أعمال النظافة وأهميتها للكاتبة الكبيرة المرحومة أمينة السعيد في جريدة «حواء» بتاريخ شهر يونيو سنة 1976 في أثناء سفرها من أجل واجبات الإعلام عن النظافة عند الشعوب الحية وأهميتها لديهم والتي هي أسمى مراتب الوطنية». الشكر مستحق للقارئ الكريم بسبب متابعته لـ»الوطن» ولتأكيده على أهمية النظافة، ولأهمية المقال الذي أرفق صورة منه برسالته ننشر هنا فقرات منه تؤكد الفكرة. طبعاً أمينة السعيد «توفيت في 13 أغسطس 1995» كاتبة مصرية وروائية ومناضلة كبيرة في سبيل نهضة مصر وحرية المرأة ومساواتها بالرجل وهي أول سيدة تولت رئاسة تحرير مجلة «حواء» المطبوعة النسائية الشهيرة التي صدر أول أعدادها عام 1954.في مقالها المعنون «على هامش زيارتي للولايات المتحدة.. بين الوطنية الصحيحة وواجبات الإعلام» تقول السعيد إنها سافرت مع آخرين في مهمة رسمية إلى الولايات المتحدة بعد أيام من بدء العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 وزارت مدينة «سان فرانسيسكو» التي كانت تسمى عروس كاليفورنيا وأنها وجدتها بالفعل «عروساً تتيه بجمالها الرائع ولكن الذي أدهشني حقيقة هو هبوط مستوى النظافة فيها بدرجة تستوقف النظر». تضيف «ثم عدت إلى سان فرانسيسكو هذه المرة بعد غيبة عشرين عاماً، فإذا بي أفاجأ بنظافتها الكاملة؛ كانت شوارعها تلمع وكأنها مرآة، لا أتربة على أرضها ولا ورق مخلفات من أي نوع كان.. رغم أن عمال النظافة بكامل هيئتهم وتمام عددهم كانوا مضربين منذ أكثر من شهر، وموظفي الأمن كانوا متضامنين معهم في إنجاح إضرابهم. أما كيف تحققت المعجزة، وتأتى لسان فرانسيسكو أن تزهو بهذا المستوى الرفيع من النظافة رغم توقف العمال المختصين عن القيام بواجبهم على مدى الأسابيع، فلأن أهل المدينة وجدوا في مطالب العمال الأخيرة تعنتاً لا يقبله المنطق، فقرروا أن يتصدوا لهذا الضغط منعاً للتمادي والتطرف.. لذلك اجتمع أهل سان فرانسيسكو، وكونوا فيما بينهم لجاناً لكل شارع وكل حي، وقسموا أعمال النظافة بينهم، وتطوعوا بالقيام بها – النساء منهم والرجال – في كل صباح مبكر قبل موعد خروجهم إلى أعمالهم اليومية». مضيفة السعيد «وقام كل مواطن أو مواطنة في سان فرانسيسكو بعمله في دقة وأمانة وإخلاص.. لم يحاول واحد منهم أن يهرب مرة أو يترك لغيره أن يقوم بنصيبه من الكنس والنظافة، وأخذوا يجمعون القمامة كل يوم في أكياس النايلون الكبيرة، ثم يحملونها بأنفسهم إلى المراكز العامة لتجميع القمامة حيث تحرق أو تصهر حسب نوعها». مختتمة مقالها بالقول «وبهذا العمل الوطني الرائع استطاعت المدينة أن تستمتع بما لم يسبق لها أن استمتعت به من أعلى درجات النظافة رغم إضراب جميع العمال المختصين بهذه المهمة ومساندة رجال الأمن لهم.. وهذه في رأيي أسمى مراتب الوطنية. إنه الفارق المميز بين عقلية المتحضرين وغير المتحضرين، فالأولون يعرفون كيف يترجمون حبهم لوطنهم في أعمال بناءة يتبرعون بها دون مقابل وبلا أدنى ضغط خارجي ويفعلون ذلك عن رضا واقتناع وطيب خاطر ؛ يعطون قبل أن يطلبوا، ويقدمون لقاء ما يأخذون. أما غير المتحضرين فالوطنية عندهم شعارات زائفة.. ينادون بها ويهتفون.. يرددونها بألسنتهم فقط دون قلوبهم وعقولهم وضمائرهم، وإذا جاء وقت التضحيات نبحث عنهم فلا نجدهم». وضوح الفكرة يكفي عن التعليق لكن لا يحرم القراء منه.