دائماً ما أقول بأن الحياة كلها معنية بـ«الإدارة»، وأن إدارة البشر أصعب أنواعها، حتى إنها أصعب من إدارة المرء لذاته. وأزيد على ذلك بالقول إن كافة المشاكل التي تصادفك في الحياة سواء على الصعيد الشخصي أو صعيد العمل الجماعي، سواء على مستوى المنزل أو حتى على مستوى القطاعات الرسمية في الدولة وغيرها من أي منظومات عامة كانت أو خاصة، كلها مشاكل في أساسها قائمة على الإدارة. ورغم أن الإدارة فيها كثير من الأشياء والفنون تكون مكتسبة، سواء ناتجة عن خبرة أو دراسة أو تجربة، إلا أن سمات الإداري الناجح تكون أيضاً مرتبطة بتركيبته وشخصيته وكاريزمته. لكن هناك فهماً خاطئاً تماماً في تفسير الإدارة، نجده في واقعنا متجسداً بقوة، يرتبط ارتباطاً واضحاً فيما يمكن تسميته بـ«صراع الأجيال». لدينا من الإداريين من يظن أن «تحطيم» الشباب، و«تكسير مجاديف» الطامحين، ومسح أية مساعٍ لخلق صفوف ثانية، هي كلها مقومات للإداري القوي. بينما الصحيح هنا بأنها مقومات للإداري الضعيف، الذي واضح جداً أن لديه مشكلة في الثقة، بحيث يخشى أن منح الفرصة للأجيال الأصغر، خصوصاً الطامحين منهم، يعني تهديداً لموقعه، وأن هذا يشكل خطراً عليه. مشكلة البشر تكمن في اختلال ميزان القناعة، ورفض القبول بسنة الحياة التي تقول بأن المناصب والمواقع ليست ملكك، وهي ما آلت إليك إلا بعدما آلت لغيرك، وستذهب من بعدك لآخرين، فالأفضل أن تكون «مؤسساً» و«مدرباً» و«مصنعاً» للكفاءات والكوادر بدلاً من أن تكون «محطماً» لها، لأن المحصلة في النهاية تفيد بأن المستفيد أو المتضرر هو الموقع، هو القطاع، وفي النهاية هي الدولة بنفسها. الدول القوية الناهضة والطموحة هي التي تنهض بجهود الكفاءات والطامحين، وكلما أوجدنا سبلاً إدارية صحيحة تطور من الطاقات، كلما نجحنا في صناعة قطاعات قوية تنتج أداء قوياً ينعكس إيجاباً على الدولة. لماذا الألمان متفوقون جداً في صناعات عديدة؟! ولماذا تحولت اليابان والصين لقوتين اقتصاديتين عالميتين ضاربتين؟! هذه الدول اعتمدت على أساليب إدارية احترافية متقدمة، ركزت على البشر وطورتهم وجعلتهم متفوقين في مختلف القطاعات، فقادوا ثورات في النهضة والتطوير والبناء. لا نجاح يتحقق بدون إدارة صحيحة، ولا نجاح يصنع بدون صناعة إداريين أقوياء، وتعاقب الأجيال مهم، وانتقال شعلة المسؤولية بسلاسة وبشكل احترافي هو الأهم لمصلحة الدولة. هذه المسألة لا بد وأن تكون قناعة راسخة لدى المسؤولين، ولا بد أن نحاول إنهاء ظاهرة الاستحواذ والاحتكار وأيضاً الإقصاء للكفاءات. سأضرب مثالاً حياً هنا من وحي أولمبياد ريو بالبرازيل، حصل أمامنا يوم أمس، وفيه مثال جميل لتشجيع الكفاءات والمبدعين. أسطورة السباحة مايكل فيلبس وأكثر رياضي فاز بميداليات أولمبية في التاريخ، خسر يوم أمس ذهبية سباق الـ100 متر فراشة لصالح شاب شبه مغمور يدعى جوزيف سكولنج من سنغافورة. اللاعب السنغافوري انتشرت له صور تجمعه بمايكل فيلبس في عام 2008 في أحد معسكرات إعداد السباحين، حينها كان في الثالثة عشرة وقال بأن فيلبس مثاله الأعلى وملهمه. ويوم أمس نجح في الانتصار على العملاق العالمي بل وتحطيم الرقم الأولمبي. الدرس البليغ هنا جاء من فيلبس نفسه، والذي بدا سعيداً جداً وكأنه هو من فاز بالذهبية، في سباق قال عنه فيلبس إنه سباقه الأخير. بطل لا يشق له غبار، يعرف مكانته العالمية جيداً، يعرف إنجازاته التي لا يمكن أن تمحى، فرح بخسارته الذهبية لبطل واعد، اتخذه مثالاً له وسار على خطاه، ليتغلب التلميذ على الأستاذ. كم مثالاً لدينا اليوم على تلميذ تفوق على أستاذه ومعلمه؟! ربما لدينا الكثير، لكن الأهم، كم أستاذاً ومعلماً وقائداً ومسؤولا فرح بشدة لرؤيته تلميذه يتفوق عليه، وأن يسير على الطريق الصحيح لخلافته في الموقع ومواصلة الإنجازات والنجاحات؟!مشكلة البعض أن يفكر بأن المنصب حكر عليه، وأن وجوده مرتبط بوجوده، وينسى بأن المنصب أمانة، وأن عليه العطاء وبذل الجهد ليحقق الإنجازات، وفي نفس الوقت يعمل لصناعة الطاقات المتفوقة لتخلفه يوماً. مشكلتنا أننا نحب أن نرى المكان يتدهور من بعد تركنا له، وهذه كارثة بل جريمة بحق الوطن، اصنع لنفسك صفاً ثانياً وثالثاً ليواصلوا من بعدك نفس المسيرة وليذكروك بخير، فما أسقط قطاعات ودهور مؤسسات إلا حينما نست بناء الصف الثاني، وتفاجأت بعدها أنها أصبحت بلا قيادة ولا إدارة قادرة. البطل البحريني علي خميس فخر لكل بحريني ما حققه البطل البحريني بطل آسيا والعرب الشاب علي خميس، حينما تأهل لنصف نهائي 400 متر في أولمبياد ريو، محققاً أفضل ثالث توقيت. أداء رائع من بطل حينما فاز بذهبية آسيا رأينا كيف تساقطت دموع بطلنا الآسيوي الشهير البحريني أحمد حمادة والذي اعتبرناه دائماً ونحن صغار أسطورتنا الرائعة ورافع علم البحرين العزيز في المحافل. علي خميس مشروع بطل، ونتمنى تأهله للنهائي وتحقيق نتيجة متقدمة، نتمنى أن يوفقه الله ليرفع اسم وعلم البحرين عالياً. ومن هنا نناشد سمو الشيخ خالد بن حمد نجل جلالة الملك حفظه الله رئيس الاتحاد البحريني لألعاب القوى بأن يمنح بطلنا الشاب عناية ورعاية خاصة وأن يحرص على تطوير قدراته وتأهيله بقوة، فنحن أمام مشروع بطل بحريني رائع يحتاج لاهتمام خاص. وهنيئاً للبحرين بك يا علي خميس.
Opinion
«صراع الأجيال».. البلد هي الضحية!
14 أغسطس 2016