لا يمكننا التنبؤ بما ستقوم به روسيا فذلك لغز، ملفوف في الغموض، داخل أحجية، لكن ربما هناك مفتاح هو مصالح روسيا القومية. ولم تتغير روسيا منذ أن قال تشرشل ذلك في عام 1939 والعالم يخطو نحو الحرب العالمية الثانية. فمن من مفارقات الروس أنهم بدؤوا علاقاتهم باليمن في عام 1927 من السعودية، حين سلم محافظ الحديدة في جدة للمندوب الروسي عرض علاقات تجارية من الملك يحيى. أما المفارقة الأخرى فهي بيع روسيا للسعودية في لهيب الحرب باليمن 15 زورقاً حربياً عليها صواريخ «كاليبر» التي قطعت من بحر قزوين 1500 كلم، فوق إيران والعراق، وأصابت 11 هدفاً لـ«داعش» في سوريا، ووصفت بأنها «كأس الجحيم»، مما دفع رئيس رابطة علماء اليمن الطلب لوقف توريد الزوارق. وبينما نحن ننتظر الحسم العسكري، أو أن يتوقف المتفاوضون في الكويت عن رحلات التسوق في مجمع «الافنيوز» لثلاثة أشهر، وأن يصلوا لاتفاق ينهي القتال، جاءت خطوة موسكو بإفشال صدور بيان بشأن اليمن من مجلس الأمن الدولي، تبعها تشكيل التحالف «الصالحوثي» مجلساً رئاسياً مدخلاً البلاد في أزمة جديدة، ثم تبعها دعوة روسيا في 10 أغسطس 2016، لوقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات لأنها «لاحظت زيادة عدد الغارات الجوية للتحالف على الأهداف المدنية، وكذا الصواريخ الباليستية التي تطلق من اليمن».لقد جاءت ملاحظة روسيا «الحنونة» على المدنيين ملفوفة بالغموض فاستعرنا مفتاح تشرشل، فأظهر أن من دوافع روسيا الحالية ما يلي:- حضورها الطاغي في سوريا مغرٍ لدخول الساحات الإقليمية المشتعلة، ودخول الأزمة اليمنية سيخفف الضغط الذي تعانيه من أطراف مدعومة خليجياً في سوريا.- سيكون التدخل بدوافع إيرانية، فطهران تصنع مناطق مصالح لموسكو، التي بدورها تقدم خدماتها لطهران في ميادين أخرى.- اتسعت نافذة فرصة روسيا في اليمن، بصمود الانقلابيين، وتردد أوباما العسكري، وانشغال واشنطن بالانتخابات، وشلل أوروبا بسبب الإرهاب، بل إن الجميع تخلى عن جوهر المشكلة، وتفرغ لحساباته ومصالحه، ومنهم موسكو.- التدخل في اليمن، هو ممارسة أصيلة لروسيا كدولة عظمى وعضو دائم بمجلس الأمن والتي يفرض عليها موقف من كل حدث.- بالورقة اليمنية ستحصل موسكو على تنازلات في سوريا وأوكرانيا وليبيا حيث صارت حساباتها مترابطة مع حسم معركة صنعاء.* بالعجمي الفصيح:لروسيا في قضايا الخليج أدوار متبادلة يصعب فرزها، وفي هذه الأحجية يجدر بالخليجيين جميعاً البحث في هذه الكومة عن مقايضة ملفّ بملفّ، وضغط مقابل صفقة سلاح، أو في مجال الطاقة أو الاقتصاد، فإن لم تنتصر الرياض في اليمن فسينهزم الخليج كله.* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج