في فيلم «الرئيس الأمريكي» الشهير والذي تم إنتاجه في عام 1995، وقام ببطولته النجم مايكل دوجلاس، والذي لعب فيه دور الرئيس الأمريكي في وقت الانتخابات، قال جملة شهيرة في الرد على مزايدات المرشح المنافس له، والذي وصل لمستوى الهجوم الشخصي واستخدام أسوأ وأشنع الأساليب لمحو إنجازات الرئيس والتقليل من شأنها، قال دوجلاس في تلك الكلمة الشهيرة «إننا في زمن جاد، نحتاج فيه لأناس جادين». هذه الجملة التي سمعتها منذ 21 عاماً بالتحديد، مازالت تطن في أذني، ومازالت ترجمتها تتراءى أمام عيني كلما تمعنت وتبحرت في بحث مشكلة ما نعاني منها هنا، أو مصيبة وتراجع نعاني منه هناك، وطبعاً أتحدث على مستوى الحراك الحكومي بالنسبة للقطاعات. هل لدينا مستوى مرتفع من الجدية في بعض أنواع الحراك؟! سؤال دائماً ما أطرحه، متخيلاً بأننا لو لدينا جدية، وأتحدث على مستوى القطاعات وبعضها معني بمواقع اتخاذ القرار فيها، هل لو كانت هناك جدية حقيقية من شأنها خلق أداء عالي المستوى من الجودة والاحترافية، هل كنا سنعاني من هذه المشكلة أو تلك؟!لدي قناعة تامة، بأن القطاعات ليست أجهزة جامدة لا تتغير أحوالها أو بالأحرى لا يمكن إصلاحها أو تطويرها أو تحسين الأداء فيها بما يحسن مخرجاتها. العامل المهم الذي يصنع الفارق في كل شيء في هذه الدنيا، وهو العامل الذي يصنع إما النجاح أو الفشل، لا يخرج عن كونه الإنسان نفسه. نحن كبشر بيدنا تحديد مصائرنا، ومصائر الأمور التي نعنى بها، بحيث إننا يمكننا التقرير ببناء شيء ليرتفع لعلو شاهق، وبيدنا أيضاً هدمه بسرعة متناهية لو قررنا الهدم. الإنسان هو الفارق في كل شيء، وبناء الحضارات والمجتمعات المتقدمة تم من خلال الإنسان الذي يقبل التحديات ويصر على الإصلاح وينهض بالجهود ويعمل من أجل التطوير والبناء. وعلى العكس، السلبية حينما تطغى على الحراك البشري، والجمود حينما يكون ديدن الإنسان، حتى لو كان في موقع مسؤولية مؤثر، وحتى لو توفرت له الإمكانيات والتسهيلات، وحتى لو منحت له ثقة القيادة، فإنها -أي السلبية- أداة التدمير الحتمية لكل شيء. لذلك حينما أدلل على الجملة أعلاه «نحن في زمن جاد، نحتاج فيه لأناس جادين»، فإنني أنشد نمطاً تجديدياً قوياً في إسناد الأمور والمهمات للأشخاص الجادين. والجدية التي أعنيها اليوم لا ترتبط بسمات شخصية، أو هيئة وتصرفات يطالعنا بها المسؤول، بل أتحدث عن جدية في العمل، وقوة في الإدارة، ورغبة في تحقيق المستحيل، وشجاعة في اتخاد القرار، وذكاء في وضع السياسات، وابتكار وإبداع في إيجاد البدائل والحلول، والحنكة في تطوير الأفراد وصناعة صفوف ثانية وثالثة. لذلك، لو حصرنا كثيراً من المشاكل والمعوقات التي صادفت بعض القطاعات، سنجد بأن الاجتهادات البشرية لها الدور الأكبر، والقرارات الخاطئة لها نصيب الأسد. لا تقولوا لنا هنا إن السبب قلة إمكانيات وضعف موازنات وأوضاع خاصة، فالإنسان الجاد صاحب السمات التي ذكرناها في الفقرة السابقة، هو الشخص الذي يمكنه -بلا مبالغة- تحويل التراب إلى الذهب، وتحويل الوضع الميت إلى وضع ينبض بالحياة. تحديات الدولة كثيرة، والزمن سريع واللحاق به صعب جداً، وفي ظل شح الموارد وتناقصها، لا بد من الحلول الذكية، وأشدد على كلمة ذكية، فلا الحلول الوقتية ولا الترقيعية ولا «المخدر الموضعي» يفيد في ظل أوضاع تقلباتها لا تضع مجالاً للمغامرة. في زمن تعصف به التقلبات، المغامرات فيه تعني مزيداً من المعاناة والتراجع والقبول بالمصير المجهول. الذكاء في التعامل بذكاء مع كل شيء، وفي شأن القطاعات الرهان لا بد وأن يكون على الشخصيات القادرة المؤهلة والأهم الشخصيات «الجادة»، والتي يجب الحرص فيها ألا تكون عرضة للاهتزاز والتأثر والتغير بسبب بهرج المنصب ومزاياه، بل يكون التنصيب لها تحدياً ومعركة لا شعار فيها سوى تحقيق النجاح. الآن، هل نظن أن البحرين خالية من الكفاءات الجادة القادرة على تغيير أحوال جامدة إلى أحوال متحركة ناهضة منتجة؟!والله البحرين مليئة بهذه الطاقات، والتي تنتظر فرصاً لإثبات نفسها، وكيف أنها قادرة على خدمة بلادها، وعلى تصحيح المسارات، وتقبل بالتحدي. نحن في زمن جاد، وما نحتاج الجدية في العمل، أي أشخاص جادون، يضعون نصب أعينهم هدفاً لا يتشعب ولا يتشتت، هدف رفع الإنتاجية وزيادة الجودة والتطوير لأقصى حد، وإن تحقق ذلك نكون قد حققنا مكاسب عملية حقيقية للوطن. البحرين كبلد فيها طموحات كبيرة، مشروع جلالة الملك الإصلاحي حجم التطلعات فيه عالٍ لا سقف له، كل ما نحتاجه هو تحريك القطع بشكل صحيح، وتمكين الكفاءات، وزرع الجدية في العمل لنحقق كل ما نصبو إليه.
Opinion
زمن التحديات.. زمن الكفاءات «الجادة»
17 أغسطس 2016