«فلان قال وفلان فعل»، هذا بالضبط الذي صار الشغل الشاغل لأولئك الذين اعتبروا أنفسهم في ثورة واعتبروا ما يقولونه وما يقومون به من أفعال مخلة بالأمن والنظام نضالاً، والدليل أنهم جميعاً متواجدون ليل نهار في وسائل التواصل الاجتماعي، يغردون، وفي الفضائيات «السوسة»، يصرحون، وفي كل الأحوال يكررون ما قالوه، ولا يفعلون ما قد يعود بالنفع على الوطن الذي يرفعون شعارات الانتصار له، ولا على المواطن الذي خسر الكثير بسببهم. ليس في هذا مبالغة ولا ادعاء ولكنه الواقع المر الذي صاروا يعيشونه، وهذا يؤكد أن خطوتهم من الأساس لم تكن صحيحة وأنهم لم يكونوا يتوقعون ردة الفعل، سواء من الحكومة التي من الطبيعي أن تدافع عن نفسها وعن السلطة وتستخدم كل ما بيدها من أدوات، أو المواطنين الذين تم استغلال اسمهم واستغلالهم وتسببوا في الكثير من الأذى لهم حتى كرهوا اليوم الذي وافقوهم فيه على بعض الشعارات التي رفعوها وزينوا لهم الأمر بها. عملياً لم يعد أمام أولئك سوى متابعة ما قال فلان وعلان وما فعل علان وفلان، ولم يعد بمقدورهم عمل شيء مفيد. ما المفيد الذي قدموه في الشهرين الأخيرين على وجه الخصوص؟ حتى المنظمات الدولية على اختلافها ملت من سماع ما هو مكرر ولا جديد فيه، بينما وصل الناس في كل مكان إلى مرحلة صاروا يعرفون فيها ما سيقوله أولئك للفضائيات وما سينشرونه من تغريدات في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن تعليقات في المواقع الإلكترونية، وكله يدخل في باب التباكي والمظلومية. ما قام به أولئك ليس ثورة حيث الثورة لا يمكن أن يقوم بها البعض دون بقية الشعب فهي ليست فرض كفاية، وهو ليس انتفاضة ولكنه يدخل في باب محاولة التمرد على النظام والقانون، خصوصاً وأن البلاد كانت ولاتزال تعيش مرحلة إصلاح أكد صاحب الجلالة الملك الحاجة إليه وبادر بسببه بمشروعه الإصلاحي. ولأن ما قاموا به لم يستند إلى فكر واعٍ لذا سهل السيطرة عليه وإقناع «بقية الأبعاض» بعدم مشروعيته وبأنه يخدم جهات بعينها، خصوصاً وأن تلك الجهات -والمقصود هنا إيران على وجه الخصوص- فضحت نفسها بالدعم غير المحدود وبالدفاع المستميت وصولاً إلى تحريك المظاهرات في طهران والبلدان التي صارت تسيطر عليها، وبالتصريحات غير المسؤولة بمناسبة ومن غير مناسبة.هناك خطأ آخر ارتكبه أولئك تسبب في الإضرار بتحركهم وبالكثيرين ممن لا علاقة لهم بذلك، حيث تحدثوا باسم «شيعة البحرين» الذين لا يمثلون إلا جزءاً منهم فخسروا منذ الجولة الأولى غير الشيعة من أهل البحرين الذين تشاركوا معهم في البدء عندما كان الشعار المطالبة بالمزيد من الإصلاحات وتحقيق مطالب اجتماعية، وتسببوا في أذى بقية الشيعة الذين لم يوافقوهم على ما قاموا به ولا يمكن أن يوافقوهم خصوصاً بعد كل هذا الذي جرى وتبين. وهذا يشمل الكثيرين من أهالي القرى الذين يضطرون بسبب وجودهم في المكان إلى السكوت أو المجاملة خوفاً واتقاء للشر. ما صاروا فيه وما وصلوا إليه اليوم أمر متوقع ويفرضه المنطق، فمثل ذاك التحرك لا يمكن إلا أن يصل بأصحابه إلى مثل هذه الحال، ومثل هذا الحال لا يمكن أن يأتي إلا بالحصاد المر. لذا فإن الأولى هو التوقف للمراجعة وتقييم الوضع بعيداً عن العواطف وتقديم مصلحة الوطن والمواطن على كل مصلحة. التحرك الأخير للحكومة أغلق الكثير من الطرق على أولئك وعلى الحكومة نفسها فلم يعد بإمكانها التراجع أو تقديم تنازلات، ولم يعد بإمكانها قبول المبادرات التي لا تصب في الاتجاه نفسه الذي تريده.
Opinion
الحصاد المر
18 أغسطس 2016