المشكلة الأهم للدولة البحرينية بعد معالجة الأزمة الإسكانية أو معالجتها بشكل كبير تمثل تحدياً استراتيجياً لا يستهان به، وهي التركيبة الديموغرافية التي باتت ملحوظة منذ بداية الألفية الجديدة.تناولنا جوانب مختلفة منها سابقاً عندما كان الحديث حول طبيعة التركيبة الديموغرافية، ولكن لم يتم تناولها بتفصيل عميق من حيث معدل النمو السكاني. حتى نستوعب حجم هذا التحدي الاستراتيجي لنتذكر تعداد سكان البحرين في العام 2001 وهو أكثر من 661 ألف نسمة، وصار الآن بحسب تقديرات غير رسمية نحو 1.3 مليون نسمة. نتحدث هنا عن تضاعف عدد السكان في 15 عاماً.تقرير مهم صدر عن مجلس التنمية الاقتصادية في يوليو 2010 توقع ارتفاع عدد السكان إلى أكثر من مليوني نسمة بعد 14 عاماً من الآن، أي في العام 2030، وهي مدة ليست بالبعيدة. في ذات التقرير توقع المجلس بأن تكون نسبة المواطنين نحو 44% مقابل 56% للأجانب.هذه التوقعات من جهة رسمية تدفعنا للحديث عما حدث في العام 2010 عندما تجاوز عدد الأجانب أعداد المواطنين لأول مرة في تاريخ الدولة البحرينية الحديثة. تلك الحقيقة التي أعلنت في ذلك العام كانت مفاجئة، وكانت تتطلب دراسة شاملة منذ ذلك الوقت لمعرفة تداعياتها وأبعادها المستقبلية، ولا أعتقد أن ذلك حدث، وما تم الاكتفاء به هو إيجاد تفسيرات دقيقة لظاهرة النمو الديموغرافي التي تراوحت بين النمو الطبيعي للسكان، ومتطلبات التنمية وغيرها.إذا وصل عدد سكان البحرين إلى مليوني نسمة بعد 14 عاماً فإن معنى ذلك أن المواطنين سيشكلون 880 ألف نسمة تقريباً، وأكثر من 1.1 مليون نسمة هم الأجانب. حينها تبرز المشكلة، حيث ستعمل الدولة لإيفاء متطلبات هذا العدد الضخم من البشر في رقعة جغرافية محدودة.الدولة عملت كثيراً على تلبية احتياجات مواطنيها لفترة قاربت القرن وربع القرن، ووجهت جهودها نحو المواطن، فهل ستستمر في ذلك عندما يبدأ المواطنون بالتحول إلى أقلية في بلادهم؟لنركز هنا على الجانب الاقتصادي أكثر، كيف ستكون أعباء الدولة تجاه الأجانب المتزايدة أعدادهم؟ نعرف أن الدولة اختارت قرارها الاستراتيجي بإنهاء الدولة الريعية، لكن هذا النمط مازال سائداً بشكل أو بآخر، فكيف سيكون بعد 14 عاماً من الآن في ظل تحول اقتصادي كبير نحو اقتصاد ما بعد النفط؟المخاوف تتركز في الضغوطات الاقتصادية التي يمكن أن تواجه الدولة بسبب الخلل الديموغرافي الكبير، وهو ما يجب الانتباه إليه والبدء في معالجته منذ الآن.