تعليقاً على المقال المنشور هنا السبت الماضي تحت عنوان «شيء عن اليجبيات والينبغيات» والذي بينت فيه أهمية أن يكون للجمعيات السياسية دوراً آخر غير إصدار البيانات والقول بأنه «يجب» أن يفعل كذا ويتم كذا و«ينبغي» أن يفعل كذا ويتم كذا، فتتحول إلى مؤسسات سياسية فاعلة ومؤثرة كونها شريكاً في العملية السياسية وليست جمهوراً متابعاً أو مشجعاً لهذا الفريق أو ذاك. تعليقاً على المقال أرسل لي قارئ من المتابعين والمهتمين بالشأن العام رسالة عبر «الواتساب» كتب فيها «اتأذن في خرابة»، وهو كلام خطير لأنه يعبر عن حالة اليأس التي وصل إليها الناس في البحرين من قيام الجمعيات السياسية بدور موجب يسهم في حل المشكلة ويخرجهم من الحال التي صاروا فيها. ذلك أنه عندما يصل الناس إلى هذه المرحلة من عدم الثقة في الجمعيات السياسية التي يفترض أن تتواصل مع الحكومة والأطراف الأخرى ذات العلاقة فإن هذا يعني أنهم على يقين من أنها لم تفعل طوال السنوات الخمس ونيف الماضيات مفيداً يعينهم على الخروج من المشكلة التي صارت تؤرق حياتهم وتربكها. بمعنى آخر، وصل الناس إلى مرحلة تبين لهم فيها أن وجود هذه الجمعيات وعدم وجودها واحد، فلا حاجة لجمعيات كل ما تقوم به هو إصدار البيانات والقول إنه يجب وينبغي من الحكومة أن تفعل كذا وكذا وتعتبر أن هذا «العمل» هو غاية ما تستطيع أن تقوم به. طبعاً تعليق القارئ ليس إلا مثالاً وهو يختصر رأي الكثيرين الذين فقدوا الثقة في الجمعيات السياسية بعدما تبين لهم أنها لم تتقدم بمبادرات جادة أو قابلة للتحقق على أرض الواقع ولم تتواصل مع الحكومة وغيرها من الأطراف ذات العلاقة خصوصاً في هذه الفترة التي ازدادت فيها المشكلة تعقيداً. مؤلمة عبارة «اتأذن في خرابة» لأنها تعبر عن حالة اليأس التي وصل إليها قائلها، ومعه جل أو ربما كل الناس، ولأنها تعني أيضاً أن الجهة موضوع الحديث هنا فاقدة لكل قدرة على العطاء وأنها في حكم الميت. شطب هذه العبارة من عقول الناس هو ما «ينبغي» أن يكون الشغل الشاغل لهذه الجمعيات السياسية، ذلك أن استمرارهم في الاعتقاد بأن هذه العبارة هي المناسبة للتعليق على كل دعوة للجمعيات السياسية لعمل شيء يسهم في حل المشكلة يعني صعوبة استرداد هذه الجمعيات للثقة التي سحبت منها، وهذا يعني أنه لم يعد لها أي قيمة وأن الأفضل لها أن تختار الإغلاق الطوعي. وإذا كان الناس يرون أن دعوة الجمعيات السياسية لتمارس دورها الحقيقي بمثابة رفع الأذان في خرابة فكيف الحال مع الأطراف الأخرى التي لا تزال دون القدرة على استيعاب خطورة المرحلة فلا تتوقف عن ممارسة تلك الأفعال التي تؤذي بها الناس وتعطل حياتهم باختطاف الشوارع وإشعال النار في إطارات السيارات، فهذه المجموعات يصدق عليها ذلك المثل أكثر من الجمعيات السياسية التي تختلف عنها وتمتلك من الخبرات والتجارب ما يعينها على تغيير نهجها. المؤسف في الأمر أنه رغم قسوة تلك العبارة إلا أنها تصدق في بعض غير قليل من الأحايين بدليل أن الجمعيات السياسية وتلك المجموعات لا تزال غير قادرة على أن تقوم بدور يسجل باسمها فتكون سبباً في إخراج البلاد من هذه الأزمة، فما تقوم به حالياً لا يعدو القول بأنه يجب وينبغي ولا بد ويفترض، و«العملي» منه هو الدعوة إلى «تبريد الساحة». ربما كان مقبولاً سماع هذا الطرف أو ذاك وهو يقول مثل هذا الكلام قبل وصولنا إلى هذه المرحلة، لكن الأكيد أنه غير مقبول منها ذلك في هذه المرحلة التي تتطلب العمل وليس غير العمل.
Opinion
العبارة القاسية
23 أغسطس 2016