ثمة قناعة لدى الشارع العربي تزداد يوماً بعد يوم عن علاقة المد الصفوي الإيراني في المنطقة العربية بأمريكا ورضا الأخيرة عن هذا المنهج الفكري بل ودعمه بشكل أو بآخر، فهل هذه العلاقة مرحلية أم أنها في صلب الاستراتيجية الأمريكية؟في تاريخ الرابع والعشرين من شهر أكتوبر سنة 2003 استضاف برنامج الأمن الدولي في مركز نيكسون مؤتمراً لاستكشاف ومناقشة الدور الذي يمكن أن تؤديه القيم الباطنية في خدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وجاء هذا المؤتمر بثلاث جلسات إحداها كانت سرية ولا يعرف ما الذي دار بها، ولكن بشكل عام كان هدف هذا الاجتماع تعريف صانعي السياسة الخارجية ومجتمع صناع القرار بهذه الحركات التي تتبناها أقلية في العالم الإسلامي، مركزين على منطقة أوراسيا التي تضم أكبر الحركات الباطنية، وبطبيعة الحال لم يكن النقاش منحصراً بالفكر الصفوي وإنما بكل الحركات الباطنية، والسبب وراء هذه الالتفاتة كان تاريخياً، فغالباً ما كانت السيطرة اليهودية على مجريات الأمور في بعض الدول معتمدة على هذه الحركات، والقضية كلها مبنية على أساس المصلحة والتخادم.أما على المستوى الرسمي فإن اللجنة الخاصة بالحريات الدينية في الكونغرس الأمريكي كانت قد أوصت في وقت سابق بتشجيع هذه الحركات داخل الدول العربية، بل وطرحتها كبديل أقوى يملأ به أرض الواقع ويحل محل دعاة الشريعة، وبحجة تقويض امتداد الإرهاب والقضاء على تنظيم «داعش» وقبله تنظيم «القاعدة» توجهت أمريكا نحو إعادة إحياء الحركات الباطنية ومنحها دوراً ريادياً، وهذا ما يلمسه المواطن العربي واقعاً في بلاده، فأعمال الصفويين لا تتعرض لانتقادات أمريكا ولا تجرم ولا توصف بالإرهاب، ولم تترك لتملأ الفراغ وحسب بل سمح لها إحداث الفراغ لتتولى تعبئته بعد ذلك، وأبسط مثال على ذلك عمليات التهجير التي تنفذها الميليشيات الصفوية بدعوى قتال «داعش»، فبعد أن أصبحت المناطق خالية من «داعش» لم يسمح لأهلها بالعودة إليها حتى اللحظة فضلاً عن ملء بعض هذه الأماكن بأتباع إيران في أوسع عملية تغيير ديمغرافي، وفي الوقت الذي لا تتعرض أمريكا لهذا الفكر الذي يتبنى الإجرام والإرهاب نجدها تنتقد الفكر الإسلامي والمناهج الدراسية وتحمل الدول الإسلامية مسؤولية إنتاج الإرهاب بسبب مناهجها التعليمية الدينية، وتطالبها بتغيير الخطاب الديني وتطالب بالإصلاح الديني، في حين لا تطالب إيران بالمثل.أما انتقاد أمريكا للنظام الإيراني فهو لا يؤثر مطلقاً على توظيف الحركات الباطنية لخدمة سياستها الخارجية، فإن كانت لأمريكا مشكلة فهي مع النظام الإيراني وليست مع الفكر الباطني الذي يتبناه هذا النظام، فالعلاقة بينها وبين هذا الفكر علاقة استراتيجية وتعتمد أمريكا على هذا الفكر إلى حد كبير في تحقيق أهداف سياستها الخارجية في العالم الإسلامي.